للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج - أما أبو الحسن الآمدي: فقد جعل صيغة الأمر بعد الحظر مترددة بين الإباحة والوجوب، وسواء أقلنا بالتساوي، أم بوجوب الترجيح؛ فالتوقف لا بد منه. وكان اختياره لهذا المسلك قائمًا على أن صيغة "افعل" إذا وردت بعد الحظر، احتمل أن تكون مصروفة إلى الإباحة ورفع الحجر، واحتمل أن تكون مصروفة إلى الوجوب.

أما الأول: فكما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ [الأحزاب: ٥٣] وكما في قوله : "كنت نهيتكم من ادخار لحوم الأضاحي فادخروا".

وأما الثاني: فقد مثل له الآمدي بما لو قيل للحائض: إذا زال عنك الحيض فصلي وصومي (١).

وإذ انتهى الآمدي من هذه الوقفة أمام نصوص بعضُها يحتمل الإباحة وبعضُها يحتمل الوجوب: انتقل بنا إلى مرحلة ثانية يستكمل فيها أن التوقف لا بد منه، وهي حال احتمال الإباحة واحتمال الوجوب، ففي هذه الحال: إما أن يقال: بتساوي الاحتمالين، أو بترجيح أحدهما على الآخر.

فإن قيل: بالتساوي، امتنع الجزم بأحدهما، ووجب التوقف.

وإن قيل: بوجوب الترجيح وامتناع التعارض من كل وجه، فليس اختصاص الوجوب بالترجيح أولى من الإباحة إلا أن يقوم دليل على تخصيص الوجوب بذلك، والأصلُ عدمه، وعلى هذا أيضًا يجب التوقف.

ولقد أكد الآمدي استبعاد الصرف إلى الوجوب في هذه الحال بقوله: (كيف وأن احتمال الحمل على الإباحة أرجح، نظرًا إلى غلبة ورود مثل ذلك للإباحة دون الوجوب، وعلى كل تقدير فيمتنع الصرف إلى الوجوب) (٢).


(١) انظر: "الإحكام" (٢/ ٢٦١ - ٢٦٢).
(٢) راجع: "الإحكام" (٢/ ٢٦١ - ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>