للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ إن مخالفة رغبة الشارع تستوجب الإثم، ولكن لا تستوجب عدم ترتب الأثر. وهكذا تترتب الآثار على العمل المنهي عنه في هذه الحال، باعتبار وقوعه كاملًا على وجه الحقيقة حسبما رسم الشارع.

أما المكلف: فيناله الإثم، لما صاحبَ العملَ من مخالفة رغبة الشارع التي هي خارجة عن تلك الحقيقة (١). فالوطء في الحيض تترتب عليه آثاره وإن أثم فاعله؛ فتعتبر الزوجة الموطوءة في الحيض مدخولًا بها حقيقة، وتحل لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثًا. من قبل.

والصلاة في الأرض المغصوبة تُخرج المكلف عن العهدة، ولكنه يأثم بسبب ما جاورها من الغصب. وكذلك الصلاة في الثوب المسروق، والبيع يوم الجمعة وقت النداء: يفيد آثاره (٢).

فالنهي مثلًا عن البيع وقت النداء يوم الجمعة بقوله تعالى: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ إنما كان لئلا يقع الإخلال بالسعي الواجب إلى الجمعة - كما أسلفنا - وهو أمر مجاور تلبيح قابل للانفكاك عنه؛ فإن البيع يوجد بدون الإخلال بالسعي، بأن يتبايع المتبايعان في الطريق ذاهبين إليها، والإخلال بالسعي يوجد بدون المبيع بأن يمكثا في الطريق من غير بيع.

وقد فصَّل أبو إسحاق الشيرازي في حكم البيع يوم الجمعة، فقرر أن البيع إن كان قبل الزوال، لم يكره للمكلف، وإن كان بعد الزوال وقبل ظهور الإمام كُره؛ فإن ظهر الإمام وأذَّن المؤذن، حرم لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩].

وقال الشيرازي: (فإن تبايع رجلان أحدهما من أهل فرض الجمعة والآخر ليس من أهل الفرض أثمًا جميعًا؛ لأن أحدهما توجه عليه الفرض وقد اشتغل عنه، والآخر شغله عن الفرض) ثم قرر أن البيع


(١) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٨١)، "الفروق" للقرافي (٢/ ٨٤).
(٢) راجح: "أصول السرخسي" (١/ ٨١)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣٣٠)، "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>