للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحكمون ببطلان أو فساد هذه العقود، على تساوٍ في البطلان والفساد عندهم دون تفريق.

والحنفية - تمشيًا مع أصلهم أيضًا في التفريق بين المنهي عنه لذاته والمنهي عنه لوصفه - يحكمون بفسادها؛ فهي صحيحة بأصلها، فاسدة بوصفها، ولذلك تفيد الملك بالقبض، مع وجوب العمل على إزالة سبب النهي لرفع الإثم.

من هذه العقود: البيع بجعل الخمر أو الخنزير فيه ثمنًا للمبيع (١)، فإن الخمر منصوص على اجتنابها، والخنزير منصوص على نجاسته، والبيع المشتمل على الربا، فالربا منصوص على تحريمه في الكتاب والسنة (٢).

وكذلك البيع بشرط، يتنافى مع مقتضى العقد، والرسول صلوات الله عليه "نهى عن بيع وشرط" وذلك: كالبيع بشرط أن يبيعه المشتري سلعة أخرى، أو أن يقدم له قرضًا، وبيع الثوب بشرط أن يخيطه البائع، وبيع الزرع بشرط أن يحصده البائع.

فكل هذه البيوع فاسدة أو باطلة عند الشافعية، لأنها منهي عنها نهيًا لوصف ملازم لها، وإذا وقعت، وقعت غير مشروعة، فلا يترتب عليها أي أثر من الآثار التي رتبها الشارع على المعقود الصحيحة، فهي عقود وقعت مخالفة لأمر الشارع، ولا يمكن أن يكون أثر ما خولف فيه الشارع هو أثرَ ما امتثل فيه أمره (٣).

أما الحنفية: فيعتبرونها فاسدة لا باطلة؛ لأن النهي عنها ليس لذاتها بنى لوصف لازم لها خارج عن حقيقة البيع. فإذا وقع البيع، وقع صحيحًا على حقيقته؛ لأن الخلل في الوصف لا في الذات.


(١) راجع: "الهداية" (٥/ ١٨٤) فما بعدها.
(٢) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ٢٧٢) فما بعدها، "الهداية" مع "فتح القدير" (٥/ ١٨٤) فما بعدها.
(٣) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ٢٦١)، "المنهاج" للنووي مع "مغني المحتاج" للشربيني الخطيب (٢/ ١١)، "تخريج الفروع على الأصول" (ص ٨٩)، "نهاية السول" (٢/ ٦٣ - ٦٤) مع البدخشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>