للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥١٩١ - حدَّثنا أَبُو الْيَمَانِ: أخبَرَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قالَ: أخبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ:

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا علَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ، اللَّتَيْنِ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤] حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمؤمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ اللَّتَانِ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾؟ قالَ: وَاعَجَبا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ قالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ ، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصَخِبْتُ (١) عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، قالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ (٢) مِنْهُنَّ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ

⦗٤٤٠⦘

النَّبِيَّ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ (٣): قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفَتَأمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ

لِغَضَبِ رَسُولِهِ (٤) فَتَهْلِكِي؟ لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلَا تَهْجُرِيهِ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ (٥) أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ . يُرِيدُ عَائِشَةَ. قالَ عُمَرُ: وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا (٦)، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقالَ: قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قَلْتُ: مَا هُوَ، أَجَاءَ غَسَّانُ؟ قالَ: لَا، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ، طَلَّقَ النَّبِيُّ نِسَاءَهُ (٧). فَقُلْتُ: خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ. فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ مَشْرُبَةً (٨) لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا؟! أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ ؟ قالَتْ: لا أَدْرِي، هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي المَشْرُبَةِ (٩)، فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ (١٠) الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ ، فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ الْغُلَامُ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ ثُمَّ رَجَعَ. فَقالَ: كَلَّمْتُ النَّبِيَّ وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا، قالَ: إِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي، فَقالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ . فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا (١١) عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ

⦗٤٤١⦘

وَأَنَا قَائِمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقالَ: «لَا». فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأنِسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: لا يَغُرَّنَّكِ أَنْ (١٢) كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ . يُرِيدُ عَائِشَةَ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ تَبَسُّمَةً (١٣) أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي

بَيْتِهِ، فَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ، غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسًا (١٤) وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ. فَجَلَسَ النَّبِيُّ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقالَ: «أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ قالَ: «مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا»؛ مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ، فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا؟ فَقالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ (١٥)». فَكَانَ (١٦) ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّخَيُّرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ فَاخْتَرْتُهُ، ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ.


(١) في رواية أبي ذر عن الحَمُّويي والمُستملي: «فَسَخِبْتُ».
(٢) في (ب، ص): «ذلكَ».
(٣) في (و، ب، ص): «فَقُلْتُ».
(٤) في (ب، ص) زيادة لفظ الجلالة في المتن: «رسوله الله»، وحوَّق عليها. وبهامش (ب): كذا في اليونينية هذا التحويق.
(٥) ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «تَغُرَّنَّكِ».
(٦) في رواية أبي ذر والكُشْمِيْهَنِيِّ: «لِتَغْزُوَنَا».
(٧) في رواية أبي ذر زيادة: «وقال عُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ سمع ابنَ عَبَّاسٍ عن عُمَرَ فقال: اعْتَزَلَ النَّبيُّ أَزْواجَهُ». انظر تغليق التعليق: ٤/ ٤٢٧.
(٨) ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «مَشْرَبَةً»، وكتب فوقها «معًا».
(٩) ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «المَشْرَبَةً».
(١٠) ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «المَشْرَبَةً».
(١١) في رواية أبي ذر: «مُتَّكِئٌ».
(١٢) ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «إِنْ».
(١٣) في رواية أبي ذر عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: «تَبْسِيْمَةً».
(١٤) في رواية أبي ذر: «فارِسَ».
(١٥) في رواية أبي ذر عن الكُشْمِيْهَنِيِّ زيادة: «لَيْلَةً».
(١٦) في رواية أبي ذر: «وكان».