للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني في نسبة الحكم لنا ظاهرا كما كان في الدورة الأولى منسوبا إلينا باطنا، وإن كان في الظاهر منسوبا لمن نسب إليه من الأنبياء، ولما كانت العرب تنسئ [ (١) ] في الشهور فترى المحرّم منها حلالا والحلال منها محرّما، جاء محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم برد الزمان إلى أصله الّذي حكم إليه به عند خالقه، فبين الحرم من الشهور على حد ما خلقها اللَّه


[ () ] وأما
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفارا» ،
فقال القاضي: قال الصبري: معناه بعد فراقي من موقفي هذا، وكان هذا يوم النحر بمنى في حجة الوداع، أو يكون بعدي أي خلافي، أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الّذي أمرتكم به، أو يكون تحقق صلى اللَّه عليه وسلّم أن هذا لا يكون في حياته، فنهاهم عنه بعد مماته.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» ،
فيه وجوب تبليغ العلم، وهو فرض كفاية، فيجب تبليغه بحيث ينتشر.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه» ،
احتج به العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم من الشيوخ الذين لا علم لهم عندهم ولا فقه، إذا ضبط ما يحدث به. (مسلم بشرح النووي) : ٢/ ٤١٥- ٤١٦، كتاب الإيمان، باب (٢٩) بيان معنى
قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ،
حديث رقم (١١٨) ، (المرجع السابق) : ١١/ ١٨٠، كتاب القسامة، باب (٩) . تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث رقم (٢٩) .
[ (١) ] النسيء: يقال نسأه وأنسأه، إذا أخّره، حكاه الكسائي. قال تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.
قال الجوهري وأبو حاتم: النسيء فعيل بمعنى مفعول، من نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخّرته، ثم حوّل إلى نسيء، كما حوّل مقتول إلى قتيل. ورجل ناسئ، وقوم نسأة، مثل فاسق وفسقة.
وقيل: النسيء مصدر من أنسأ، كالنذير من أنذر، والنكير من أنكر، وهو ظاهر قول الزمخشريّ لأنه قال: النسيء تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر.
وقال الطبريّ: النسيء بالهمز معناه الزيادة. قال أبو حيان: فإذا قلت: أنسأ اللَّه أجله بمعنى أخّر، لزم من ذلك الزيادة في الأجل، فليس النسيء مرادفا للزيادة، بل قد يكون منفردا عنها في بعض المواضع. وإذا كان النسيء مصدرا كان الإخبار عنه بمصدر واضحا، وإذا كان بمعنى مفعول فلا بد من إضمار إما في النسيء أي: إن نسأ النسيء، أو في زيادة، أي: ذو زيادة. وبتقدير هذا الإضمار يرد على ما يرد على قوله. ولا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، لأنه يكون المعنى: إنما المؤخر زيادة، والمؤخر الشهر، ولا يكون الشهر زيادة في الكفر.
وأخبر أن النسيء زيادة في الكفر، أي جاءت مع كفرهم باللَّه، لأن الكافر إذا أحدث معصية ازداد كفرا. قال تعالى: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: ١٢٥] ، كما أن المؤمن إذا أحدث طاعة ازداد إيمانا. قال تعالى: فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: ١٢٤] ، وأعاد الضمير في به على النسيء، لا على لفظ زيادة.