للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثر مما كان في غيرها، لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلنا، وإن كانوا أذكياء وعلماء فآحاد مهم معينون بخلاف الأمة المحمدية، ألا ترى كيف ترجمت هذه الأمة جميع علوم الأمم، ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الّذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون مترجما، ولا كان ينطبق على ذلك اسم الترجمة، فقد علمت هذه الأمة علم من تقدم، واختصت بعلوم لم تكن للمتقدمين، ولهذا

أشار صلى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «فعلمت علم الأولين» ، وهم الذين تقدموه، ثم قال: «وعلم الآخرين» ،

وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين، وهو ما تعلمته أمته من بعده إلى يوم القيامة، فقد أخبر عليه السلام أن عندنا علوما لم تكن قبل، فقد ثبت له صلى اللَّه عليه وسلّم السيادة في الدنيا في العلم، وثبت له أيضا السيادة في الحكم حيث

قال: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» ،

وتبين ذلك عند نزول عيسى عليه السلام، وحكمه فينا بالقرآن، فصحّت لنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى.

ثم أثبت له السيادة على سائر الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة، ولا يكون ذلك [لنبي في [ (١) ] يوم القيامة] إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم، فقد شفع صلى اللَّه عليه وسلّم في الرسل والأنبياء أن تشفع، نعم، وفي الملائكة، فأذن اللَّه تعالى عند شفاعته عليه السلام في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع، فهو صلى اللَّه عليه وسلّم أول شافع بإذن اللَّه تعالى، وأرحم الراحمين، أخرج من النار من لم يعمل خيرا قط كما ورد في الحديث الصحيح، فأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين، وآخر الدائرة متصل بأولها، ولا شرف أعظم من شرف محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، حيث كان ابتداء الأشياء، وبه كملت، وما أعظم شرف المؤمن حيث ثلث شفاعته بشفاعة أرحم الراحمين، فلا دائرة أوسع من دائرة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فإن له الإحاطة-[ولأمته بحكم التبعية فلها الاحاطة] [ (٢) ]- بسائر الأمم، ولذلك كانوا شهداء على الناس [ (٣) ] .


[ (١) ] في (خ) «ولا يكون ذلك لنبي إلا في يوم القيامة» ، وهو خطأ من الناسخ.
[ (٢) ] ما بين القوسين من هامش (خ) .
[ (٣) ] إشارة إلى قوله تعالى: وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الحج: ٧٨] .