للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي: يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا، فملأت الإداوة ماء [فانطلقنا] [ (١) ] فمشينا حتى لا نكاد نرى، فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يا جابر، انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول اللَّه: ألحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما، [ففعلت فرجعت] [ (١) ] حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته.

ثم رجعنا فركبنا رواحلنا، فسرنا كأنما علينا الطير تظلنا، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، معها صبي تحمله فقالت: يا رسول اللَّه! إنّ ابني هذا يأخذه الشيطان ثلاث مرات كل يوم لا يدعه، فوقف [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (١) ] فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرّحل، فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (١) ] : اخسأ عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، وأعاد ذلك ثلاث مرات ثم ناولها إياه.

فلما رجعنا فكنا بذلك الماء، عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما، والصبي تحمله، فقالت: يا رسول اللَّه! [اقبل من هديتي] [ (١) ] ، فو الّذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذوا أحدهما منها وردّوا الآخر.

ثم سرنا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، بيننا، فجاء جمل نادّ، فلما كان بين السماطين خرّ ساجدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيها الناس، من صاحب هذا الجمل؟ فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول اللَّه، قال: فما شأنه؟ قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة، فلما كبرت سنّه وكانت عليه شحيمة [و] [ (٢) ] أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تبيعونيه؟ فقالوا: يا رسول اللَّه، هو لك، قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله- قالوا: يا رسول اللَّه: نحن أحق أن نسجد لك من البهائم، فقال: لا ينبغي لأحد [ (٣) ] أن يسجد لأحد [ (٣) ] ، ولو كان ذلك لكان النساء لأزواجهن [ (٤) ] .


[ (١) ] زيادة يقتضيها السياق من البيهقي.
[ (٢) ] زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (٣) ] في المرجع السابق: «لبشر» .
[ (٤) ] (دلائل البيهقي) : ٦/ ١٨- ١٩، باب ذكر المعجزات الثلاث التي شهدن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري وغيره، في الشجرتين، والصبي، والجمل، وما كان في كل واحد منهن من آثار النبوة، وأخرجه ابن كثير في (البداية والنهاية) : ٦/ ١٥٥- ١٥٦، وقال في آخره: وهذا إسناد جيد