قال ابن عيينة: وأخبرنى عمار الذهبي أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان ابن نوح، إن اللَّه لا يكذب، قال تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ. قال: وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة بنى قط، وكذا روى عن مجاهد أيضا، وعكرمة، والضحاك، وميمون بن مهران، وثابت بن الحجاج، وهو اختيار أبى جعفر بن جرير، وهو الصواب الّذي لا شك فيه. (تفسير ابن كثير) : ٢/ ٤٦٣- ٤٦٤. وقال الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: ومعنى قوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ: نفى أن يكون من أهل دينه واعتقاده، فليس ذلك إبطالا لقول نوح عليه السلام: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، ولكنه إعلام بأن قرابة الدين بالنسبة لأهل الإيمان هي القرابة، وهذا المعنى شائع في الاستعمال قال النابغة يخاطب عيينة بن حصن: إذا حاولت في أسد فجورا ... فإنّي لست منك ولست مني وقال تعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [سورة التوبة الآية: ٥٦] ، وتأكيد الخبر لتحقيقه لغرابته. وجملة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لمضمون جملة إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ فإن فيه لمجرد الاهتمام. وعَمَلٌ في قراءة الجمهور- بفتح الميم وتنوين اللام- مصدر أخبر به للمبالغة، وبرفع غَيْرُ على أنه صفة عَمَلٌ. وقرأه الكسائي، ويعقوب عَمِلَ- بكسر الميم- بصيغة الماضي وبنصب غيرَ على المفعولية لفعل عمل، معنى العمل غير الصالح: الكفر، وأطلق على الكفر عمل لأنه عمل القلب، ولأنه يظهر أثره في عمل صاحبه- كامتناع ابن نوح من الركوب الدال على تكذيبه بوعيد الطوفان. وتفرع على ذلك نهيه أن يسأل ما ليس له به علم نهى عتاب، لأنه لما قيل له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ بسبب تعليله بأنه عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، سقط ما مهّد به لإجابة سؤاله، فكان حقيقا بأن لا يسأله وأن يتدبر ما أراد أن يسأله من اللَّه (تفسير التحرير والتنوير) : ١٢/ ٨٥- ٨٦. وقال العلامة أبو القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزمي: قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، تعليل لانتفاء كونه من أهله، وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وأن نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد في المنصب، وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك وخصيصك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحما، فهو بعيد منك (الكشاف) : ٢/ ٢١٩.