وقد قيل: لا تدركه أبصار الكفار، وقيل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، لا تحيط به، وهو قول ابن عباس. وقد قيل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وإنما يدركه المبصرون. وكل هذه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية ولا استحالتها، وكذلك لا حجة لهم بقوله تعالى: لَنْ تَرانِي، وقوله تعالى: تُبْتُ إِلَيْكَ لما قدمناه، ولأنها ليست على العموم، ولأن من قال: معناها لن تراني في الدنيا، إنما هو تأويل. وأيضا فليس فيه نص الامتناع، وإنما جاءت في حق موسى، وحيث تتطرق التأويلات، وتتسلط الاحتمالات، فليس للقطع إليه سبيل. وقوله: تُبْتُ إِلَيْكَ* أي من سؤالي ما لم تقدره لي، وقد قال أبو بكر الهدلى في قوله: لَنْ تَرانِي أي ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا، وأنه من نظر إليّ مات. وقد رأيت لبعض السلف والمتأخرين ما معناه أن رؤيته تعالى في الدنيا ممتنعة لضعف تركيب أهل الدنيا وقواهم، وكونها متغيرة عرضا للآفات والفناء، فلم تكن لهم قوة على الرؤية، فإذا كان في الآخرة وركبوا تركيبا آخر، ورزقوا قوى ثابتة باقية، وأتم أنوار أبصارهم وقلوبهم، قووا بها على الرؤية. وقد رأيت نحو هذا الملك بن أنس رحمه اللَّه، قال لم ير في الدنيا لانه باق، لا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رئي الباقي بالباقي. وهذا كلام مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة، إلا من حيث ضعف القدرة، فإذا قوى اللَّه تعالى من شاء من عباده، وأقدره على حمل أعباء الرؤية، لم تمتنع في حقه. وقد تقدم ما ذكر في قوة بصر موسى ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتعوذ إدراكهما بقوة إلهية منحاها لإدراك ما أدركاه، ورؤية ما رأياه. واللَّه تعالى أعلم. (الشفا) ١/ ١٢١- ١٢٣ مختصرا. [ (١) ] أي قام من الفزع والقفقفة: الرعدة من حمى أو غضب أو نحوه، وقيل: هي الرعدة مغموما. (لسان العرب) : ٩/ ٢٨٨.