للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال موسى بن عقبة: فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ناجح، وضع الأداة كلها: الجحف، والرماح، والمجان، والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب:

السيوف في القرب.

قال ابن إسحاق: فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها: أن محمدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة، فحدثني من لا أتهم، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: صفوا له عند دار الندوة، لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد، اضطبع بردائه [ (١) ] ، واخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة،

ثم استلم الركن، وخرج يهرول [ (٢) ] ويهرول أصحابه معه حتى واراه البيت منهم، واستلم [ (٣) ] الركن اليماني، ومشى حتى استلم الركن الأسود ثم يهرول كذلك ثلاثة أشواط، ومشى سائرها، فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما صنعها لهذا الحي من قريش، للذي بلغه عنهم، حتى حج حجة الوداع، فلزمها فمضت السنة بها.

قال موسى بن عقبة: فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة، أمر أصحابه فقال: اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدكم وقوتكم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكايدهم بكل ما استطاع، فانكفأ أهل مكة، الرجال والنساء ينظرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، وهم يطوفون بالبيت، وعبد اللَّه بن رواحة يرتجز بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، متوشحا بالسيف، وهو يقول:

خلوا بنى الكفار عن سبيله ... إني شهدت أنه رسوله

حقا وكل الخير في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله

كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله


[ (١) ] اضطبع: أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن وغطى به الأيسر.
[ (٢) ] الهرولة ضرب من السير، فوق المشي ودون الجرى.
[ (٣) ] في (ابن هشام) : «حتى يستلم» .