فإن قلت: يلزم على هذا أن كل من قال لمسلم أنه كافر يحكم بكفره، قلت: إن كان ذلك المسلم مقطوعا بإيمانه، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، فنعم، وكذا عبد اللَّه بن سلام [ونحوه] ، ممن ثبت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشهادة لهم بالجنة، وكذا كل من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر، وكذا أهل بدر، وأما إذا لم يكن ذلك المسلم مقطوعا بإيمانه، بل هو من عرض المسلمين، فلا قول فيه، ذلك، وإن كان إيمانه ثابتا من حيث الحكم الظاهر،
لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أشار إلى اعتبار الباطن بقوله: إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه، وبقوله: فقد باء بها أحدهما.
بقي قسم آخر، وهو أن لا يكون من الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، المشهود لهم بالجنة، ولكن ممن [أجمعت] الأمة على جلالته وإمامته، كسعيد بن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وأقرانهم من التابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين، المجمع عليهم، فهذا عندي أيضا ملتحق بمن ورد النص فيه، فيكفّر من كفّره.
وحاصله أنّا نكفّر من يكفّر من نحن نقطع بإيمانه، إما بنص أو إجماع، فإن قلت: هذا طريق لم يذكره أحد من المتكلمين، ولا من الفقهاء، قلت الشريعة كالبحر، كل وقت يعطى جواهر، وإذا صح دليل، لم يضره خفاؤه على كثير من الناس في مدة طويله، على أننا قد ذكرنا من كلام مالك- رحمه اللَّه- ما يشهد له، فإن قلت: الكفر هو جحد الربوبية [أو الوحدانية] ، أو الرسالة، وهذا رجل موحد- يعنى الرافضيّ- مؤمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكثير من صحابته، فكيف يكفّر.
قلت: التكفير، حكم شرعي، سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قول، أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدا، وهذا منه، فهذا دليل لم يرد في هذه المسألة [أحسن] منه، لسلامته عن اعتراض صحيح قادح فيه، وينضاف إليه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم [فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى] : من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب، ولكن لا يقال بظاهره، بل هو