للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه فعزله عنه واستعمل عليهم عمارا، فشكوه حتى أنهم ذكروا أنه لا يحسن يصلّى، فأرسل اليه.

فقال: يا أبا إسحاق إنهم يزعمون أنك لا تحسن تصلّى، فقال: أما أنا فإنّي كنت أصلّى بهم صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلّى صلاة العشي، فأركد في الأولين وأخف في الأخريين. قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامه بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما واللَّه لأدعون بثلاث: اللَّهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام سمعة ورياء فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون: أصابتنى دعوة سعد. قال عبد الملك:

فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن.


[ () ] الجليل بكنيته، والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه. وفيه الفرق بين الافتراء الّذي يقصد به السب، والافتراء الّذي قصد به دفع الضرر، فيعزر قائل الأول دون الثاني، ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم، واكتفى بالدعاء على الّذي كشف قناعة في الافتراء عليه دون غيره، فإنه صار كالمنفرد بأذيته. وقد جاء في الخبر: «من دعا على ظالمه فقد انتصر» فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا، فانتصر لنفسه، وراعى حال من ظلمه، لما كان فيه من وفور الديانة، ويقال: إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب صاحب الشريعة، وكأنه قد انتصر لصاحب الشريعة. وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث أنه يؤدى إلى نكاية الظالم وعقوبته ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة، وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم.
ومن الأول قول موسى عليه السلام: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ. وفيه سلوك الورع في الدعاء، واستدل به على أن الأولين من الرباعية متساويتان في الطول. (فتح الباري) .