عن كفرهم وضرب بعضهم رقاب بعض. فإنّهم فعلوا. فقد وجد المنهي عنه إلا أنهما إذا اجتمعنا كان المنهي أشد. وقال بعض العلماء: النهي يكون عن الصفة الناشئة ونظيره: قول الرجل لزوجته: إن كلمت رجلا طويلا فأنت طالق، فكلمت رجلا قصيرا، لم تطلق، فكذلك إذا رجعوا كفارا ولم يضرب بعضهم رقاب بعض. وهذا القول فيه بعد، وذلك ان الكفر قد علم النهي عنه بدون أن يضرب بعضهم رقاب بعض، ويجوز أن يروى يضرب بالجزم على تقدير شرط مضم، أي ترجعوا كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. هذا الحديث من باب قوله تعالي فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي بالرفع والجزم إلا أن أكثر المحققين من النحويين لا يجيزون الجزم في مثل هذا الحديث لئلا يصير المعني. ألا ترجعوا كفارا ويضرب، وهذا قيد المعني، بل قال: لا ترجعوا بعدي كفارا تسلموا وتوادوا كان مستقيما، لأن التقدير: ألا ترجعوا كفارا تسلموا.
ونظير ذلك قولك لا تدن من الأسد تنج، أي ألا تدن فجعل التباعد من الأسد شيئا في السلامة، وهذا صحيح. ولو قلت لا تدن من الأسد يأكلك، كان فاسدا، لأن التباعد منه ليس بسبب في الأكل، فإن قلت: فلم لا يقدر أن يقال بغير لأن قيل: ينبغي أن يكون المعدود من جنس الملفوظ. وقد ذهب قوم إلى جواز الجزم هاهنا على هذا التقدير، وعليه يجوز الجزم في هذا بالحديث.
وقيل: ليس المراد النهي عن الكفر، بل النهي عن الاختلاف المؤدي إلى القتل فعلي هذا يكون يضرب مرفوعا، ويكون تغييرا، للكفر المراد بالحديث.
انتهى.
وخرج مسلم من حديث يحيي بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عن عقبة بن عامر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قام: صلى اللَّه عليه وسلم علي قتلي أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات، فقال: إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلي الجحفة، وإني لست أخشى عليكم
[ () ] رحمه اللَّه ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة (٦١٦ هـ) . (إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن) : المقدمة، باختصار وتصرف.