قوله: «وقال عبد اللَّه بن زيد وأبو هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار أما حديث عبد اللَّه بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين، وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الأنصار. وقوله: «من الأنصار» أي من كان أنصاريا صرفا فما كان لي مانع من الإقامة بمكة كنت اتصفت بصفة الهجرة، والمهاجر لا يقيم بالبلد الّذي هاجر منها مستوطنا، فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم، وذلك أنه إنما قال لهم ذلك في جواب قولهم: أما الرجل فقد أحب الإقامة بمدينته، وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن شاء اللَّه تعالى. وقوله: «فذهب وهلي» بفتح الواو والهاء أي ظني، يقال: وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه، وقوله: «أو هجر» بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس، وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام كما سبق بيانه في كتاب الإيمان. ووقع في بعض نسخ أبي ذر «أو الهجر» بزيادة ألف ولام والأول أشهر، وزعم بعض الشراح أن المراد بهجر هنا قرية قريبة من المدينة، وهو خطأ فإن الّذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة يقال لها هجر لا يعرفها أحد، وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله: «قلال هجر» إن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال، وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كانت القلال كانت تعمل بها وتجلب إلي المدينة وعملت بالمدينة على مثالها، وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن، فهذا أولي بالتردد بينها وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة واليمن، وقوله: «فإذا هي المدينة يثرب» كان ذلك قبل أن يسميها صلى اللَّه عليه وسلّم طيبة، ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه «أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو يثرب» ولم يذكر اليمامة، وللترمذي من حديث جرير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم «إن اللَّه تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنسرين» لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب، وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة، بخلاف اليمامة فإنّها إلى جهة اليمن، إلا أن يحمل على اختلاف فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها، والثاني بخبر بالوحي، فيحتمل أن يكون أري أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة. الحديث الرابع: حديث خباب «هاجرنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بإذنه، وإلا فلم يرافق النبي صلى اللَّه عليه وسلم سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في هذا الباب، وستأتي الإشارة إليه بعد بضعة عشر حديثا، وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق، ومضى شيء منه في كتاب الجنائز. الحديث الخامس: حديث عمر «الأعمال بالنيات» أورده مختصرا، وقدم تقدم شرحه مستوفى في أول.