وفي «التحفة» : أن ابن عمر وغيره من السلف كانوا يقترون ويوجزون في هذا جدا. فعن مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، وناهيك به خبرة بهذا الشأن من رواية ابن وهب عنه، يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته. وعن نافع عن ابن عمر، أنه كان إذا قدم من سفر دخل المسجد، ثم أتي القبر المقدس فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه. وينبغي أن يدعو، ولا يتكلف السجع فإن ذلك قد يؤدي إلى الإخلال بالخشوع. وقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من مسلم يسلم علي إلا رد اللَّه علي روحي حتى أرد عليه السلام. وعند ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة مرفوعا: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته. وعن سليمان بن سحيم، مما ذكره القاضي عياض في «الشفاء» قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول اللَّه، هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم. ولا شك أن حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثابتة معلومة. وقد روى الدارميّ عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة، لم يؤذن في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد، وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر ابن النجار وابن زبالة بلفظ قال سعيد- يعني ابن المسيب-: فلما حضرت الظهر سمعت الأذان في القبر، فصليت ركعتين، ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر، ثم مضى ذلك الأذان والإقامة في القبر المقدس لكل صلاة حتى مضت الثلاث ليال، يعني ليالي أيام الحرة. وقد روى البيهقي وغيره: من حديث أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. وفي رواية: أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكنهم يصلون بين يدي اللَّه حتى ينفخ في الصور. وله شواهد في صحيح مسلم منها: قوله صلى اللَّه عليه وسلم: مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره. وفي حديث أبي ذر في قصة المعراج: أنه لقي الأنبياء في السماوات، وكلموه وكلمهم. وقد ذكرت مزيد بيان لذلك في حجة الوداع من مقصد عباداته، وفي ذكر الخصائص الكريمة في مقصد معجزاته، وفي مقصد الإسراء والمعراج. [ (١) ] (سنن الدارقطنيّ) : ٢/ ٢٧٨، حديث رقم (١٩٣) ، وفيه: «عن مجاهد عن ابن عمر» .