[٢٨] وفي قوله: «وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاء مازحه» ، ما يدل على أنه كان يمازحه كثيرا، وإذا كان كذلك كان في ذلك شيئان: [٢٩] أحدهما: أن ممازحة الصبيان مباح. [٣٠] والثاني: أنها إباحة سنة لا إباحة رخصة، لأنها لو كانت إباحة رخصة لأشبه أن لا يكثرها، كما قال في مسح الحصى للمصلى: «فإن كنت لا بد فاعلا فمرة» ، لأنها كانت رخصة لا سنة. [٣١] وفيه- إذ مازحه صلّى اللَّه عليه وسلّم- ما يدل على ترك التكبر والترفع. [٣٢] وما يدل على حسن الخلق. [٣٣] وفيه دليل على أنه يجوز أن يختلف حال المؤمن في المنزل من حاله إذا برز، فيكون في المنزل أكثر مزاحا، وإذا خرج أكثر سكينة ووقارا- إلا من طريق الرياء- كما روي في بعض الأخبار: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس إذا خلا بأهله، وأزمتهم عند الناس. [٣٤] وإذا كان ذلك كما وصفنا ففيه دليل على أن ما روي في صفة المنافق أنه يخالف سرّه علانيته ليس على العموم، وإنما هو على معنى الرياء والنفاق، كما قال جل ثناؤه: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. [٣٥] وفي قوله: «فرآه حزينا» : ما يدل على إثبات التفرس في الوجوه. وقد احتج بهذا المعنى بعض أهل الفراسة بما يطول ذكره. [٣٦] وفيه دليل على الاستدلال بالعبرة لأهلها، إذ استدل صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحزن الظاهر في وجهه على الحزن الكامن في قلبه، حتى حداه على سؤال حاله. [٣٧] وفي قوله: «ما بال أبي عمير؟» دليل على أن من السنة إذا رأيت أخاك أن تسأل عن حاله. [٣٨] وفيه دليل- كما قال بعض أهل العلم- على حسن الأدب بالسنة في تفريق اللفظ بين سؤالين: فإذا سألت أخاك عن حاله قلت: مالك؟ كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث أبي قتادة: «مالك يا أبا قتادة؟» وإذا سألت غيره عن حاله قلت: ما بال أبي فلان؟ كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الحديث: «ما بال أبي عمير؟» . [٣٩] وفي سؤاله صلّى اللَّه عليه وسلّم من سأل- عن حال أبي عمير- دليل على إثبات خبر الواحد. [٤٠] وفيه دليل على أنه يجوز أن يكنى من لم يولد له، وقد كان عمر بن الخطاب يكره ذلك حتى أخبر به عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. [٤١] وفي قوله: «مات نغيره الّذي كان يلعب به» : تركه النكير بعد ما سمع ذلك صلّى اللَّه عليه وسلّم دليل على الرخصة في اللعب للصبيان. [٤٢] وفيه دليل على الرخصة للوالدين في تخلية الصبي وما يروم من اللعب إذا لم يكن من دواعي الفجور، وقد كان بعض الصالحين يكره لوالديه أن يخلياه. [٤٣] وفي دليل على أن إنفاق المال في ملاعب الصبيان ليس من أكل المال بالباطل، إذا لم يكن من الملاهي المنهية. [٤٤] وفيه دليل على إمساك الطير في القفص. [٤٥] وقصّ جناح الطير لمنعه من الطيران، وذلك أن لا يخلو من أن يكون النغيرة التي كان يلعب بها في قفص أو نحوه، من شدّ رجل أو غيره، أو أن تكون مقصوصة الجناح، فأيهما كان المنصوص، فالباقي قياس عليه، يكره.