للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] قصّ جناح الطائر وحبسه في القفص. [٤٦] وفيه دليل على أن رجلا لو اصطاد صيدا خارج الحرم ثم أدخل الحرم، لم يكن عليه إرساله، وذلك لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حرّم الاصطياد بين لابتي المدينة، وأجاز لأبي عمير إمساكه فيها.
وكان ابن الزبير يفتي بإمساك ذلك، ومن حجته فيه: أن من اصطاد صيدا ثم أحرم وهو في يده، فعليه إرساله، فكذلك إذا اصطاد في الحل ثم أدخله الحرم.
وفرّق الشافعيّ بين المسألتين كما وصفنا، فقال: من اصطاد ثم أحرم والصيد في ملكه فعليه إرساله، ومن اصطاده ثم أدخله الحرم فلا إرسال عليه. [٤٧] وفي
قوله: «ما فعل النغير؟» ،
دليل على جواز تصغير الأسماء كما صغّر النغيرة، وكذلك المعنى في قوله: كان ابن لأبي طلحة يكنى أبا عمير.
[٤٨] وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مازحه بذلك يبكي، ففي ذلك دليل على أن
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث آخر: «إذا بكى اليتيم اهتز العرش» ،
ليس على العموم في جميع بكائه، وذلك أن بكاء الصبي على ضربين: أحدهما: بكاء الدلال عند المزاح والملاطفة، والآخر: بكاء الحزن أو الخوف عند الظلم أو المنع عما به إليه الحاجة، فإذا مازحت يتيما أو لاطفته فبكى، فليس في ذلك- إن شاء اللَّه تعالى- اهتزاز عرش الرحمن. [٤٩] وقد زعم بعض الناس أن الحكيم لا يواجه بالخطاب غير العاقل. وقال بعض أصحابنا، ليس كذلك، بل صفة الحكيم في خطابه أن لا يضع الخطاب في غير موضعه، وكان في هذا الحديث كذلك دليل، ألا ترى
أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم واجه الصغير بالخطاب عند المزاح فقال: «يا أبا عمير ما فعل النّغير؟» ،
ولم يواجه بالسؤال عند العلم والإثبات، بل خاطب غيره،
فقال: «ما بال أبي عمير؟» .
[٥٠] وفيه دليل على أن للعاقل أن يعاشر الناس على قدر عقولهم ولا يحمل الناس كلهم على عقله. [٥١] وفي نومه صلّى اللَّه عليه وسلّم عندهم دليل على أن عماد القسم بالليل، وأن لا حرج على الرجل في أن يقيل بالنهار عند امرأة في غير يومها. [٥٢] وفيه دليل على سنة القيلولة. [٥٣] وفي دليل على خلاف ما زعم بعضهم في أدب الحكام أن نوم الحكام والأمراء في منزل الرعية- ونحو ذلك من الأفعال- دناءة تسقط مروءة الحكام. [٥٤] وفي نومه على فراشها دليل على خلاف قول من كره أن يجلس الرجل في مجلس امرأة ليست له بمحرم أو يلبس ثوبها وإن كان على تقطيع الرجال. [٥٥] وفيه أنه يجوز أن يدخل المرء على امرأة في منزلها وزوجها غائب وإن لم تكن ذات محرم له. [٥٦] وفي نضح البساط له ونومه على فراشها دليل على إكرام الزائر. [٥٧] وفيه أن التّنعّم الخفيف غير مخالف للسنة. وأن قوله: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وأصغى بسمعه» ، ليس على العموم إلا فيما عدا التنعم القليل. [٥٨] وفيه دليل على أنه ليس بفرض على المزور أن يشيّع الزائر إلى باب الدار- كما أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بتشييع الضيف إلى باب الدار- إذ لم يذكر في هذا الحديث تشييعهم له إلى الباب. [٥٩] وقد اختلف أهل العلم في تفسير ما ذكر من صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث هند بن أبي هالة: كانوا إذا دخلوا عليه لا يفترقون إلا عن ذواق: قال بعضهم: أراد به الطعام. وقال بعضهم:
أراد به ذواق العلم. ففي تفسير هذا الحديث، الدليل على تأويل من تأوّله على ذواق العلم، إذ قد أذاقهم العلم ولم يذكر فيه ذواق الطعام. [٦٠] وكان من صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه يواسي بين جلسائه، حتى يأخذ منه كل بحظ، وكذلك فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في دخوله على أم سليم: صافح أنسا، ومازح أبا عمير الصغير، ونام على فراش أم سليم، حتى نال الجميع من بركته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وزاد على الستين فقال:
[٦١] وإذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم، فأقل ما في تحفّظ طرقه أن يكون نافلة، وفيه أن قوما أنكروا خبر الواحد واختلفوا فيه: فقال بعضهم بجواز خبر الاثنين قياسا على الشاهدين، وقال