للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:


[ () ] أمّهاتي يحثثنني على خدمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصحب أنس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتمّ الصحبة، ولازمة أكمل الملازمة منذ هاجر، وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة.
لم يعدّه أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا، ما قاتل، بلى بقي في رحال الجيش، فهذا وجه الجمع.
قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ابن أم سليم، يعني أنسا. وقال أنس ابن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسّفر.
مسندة ألفان ومائتان وستة وثمانون، اتّفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا، وانفرد البخاري بثمانين حديثا. ومسلم بتسعين، وروى له الأربعة، وجملة مرويّاته (٢٢٨٦) حديثا.
قال أنس رضي اللَّه عنه: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، فما ضربني، ولا سبّني، ولا عبس في وجهي، رواه الترمذي بأطول من هذا.
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ أكثر ماله وولده،
قال أنس: واللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو من مائة اليوم، قال بعضهم: بلغ مائة وثلاث سنين.
ذكر صلاح الدين الصّفديّ في (الوافي) ، أن عليّ بن زيد بن جدعان قال: كنت في دار الإمارة والحجّاج يعرض الناس أيام ابن الأشعث، فدخل أنس بن مالك، فلمّا دنا من الحجّاج قال الحجّاج:
يا خبثه! جوّال في الفتن، مرّة مع عليّ بن أبي طالب، ومرة مع ابن الزّبير، ومرة مع ابن الأشعث، واللَّه لأستأصلنّك كما تستأصل الصمغة، ولأجرّدنّك كما يجرّد الضّبّ! فقال له أنس: من يعني الأمير، أصلحه اللَّه؟ قال: إيّاك أعني، أصمّ اللَّه سمعك! فاسترجع أنس وشغل عنه، فخرج أنس وتبعته وقلت: ما منعك أن تجيبه؟ فقال: واللَّه لولا أني ذكرت كثرة ولدي، وخشيته عليهم، لأسمعته في مقامي هذا ما لا يستحسن لأحد من بعدي.
وكتب إلى عبد الملك: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لعبد الملك أمير المؤمنين من أنس بن مالك خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصاحبه. أما بعد، فإن الحجاج قال لي هجرا من القول وأسمعني نكرا، ولم أكن لما قال أهلا، إنه قال لي كذا وكذا، وإني أقسمت. بخدمتي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين كوامل: لولا صبية صغار ما باليت أيّة قتلة قتلت، وو الله، لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه! فخذ لي على يده، وأعني عليه، والسلام.
فلما قرأ عبد الملك الكتاب استشاط غضبا، وكتب إلى الحجاج: أما بعد، فإنك عبد من ثقيف، طمحت بك الأمور، فعلوت فيها وطغيت، حتى عدوت قدرك، وتجاوزت طورك، يا ابن المستفرمة بعجم الزّبيب، لأغمزنك غمز الليث، ولأخبطنّك خبطة، ولأركضنك ركضة تودّ معها لو أنك رجعت في مخرجك من وجار أمك.
أما تذكر حال آبائك ومكاسبهم بالطائف، وحفرهم الأبار بأيديهم، ونقلهم الحجارة على ظهورهم؟
أم نسيت أجدادك في اللؤم والدناءة وخساسة الأصل، وقد بلغ أمير المؤمنين ما كان منك إلى أبي حمزة أنس بن مالك خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القريب، وصاحبه في المشهد والمغيب، جرأة منك على اللَّه ورسوله، وأمير المؤمنين والمسلمين، وإقداما على أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعليك لعنة اللَّه من عبد أخفش العينين، أصكّ الرجلين، ممسوح الجاعرتين، لقد هممت أن أبعث إليك من يسحبك ظهرا لبطن حتى يأتي بك أبا