للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرّجه مسلم من حديث ليث عن بكير عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول اللَّه؟ قال: ولا إياي إلا أن يتغمدني اللَّه منه برحمة، ولكن سددوا [ (١) ] . وفي رواية له: قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله، قالوا: يا رسول اللَّه، ولا أنت؟ قال: وقال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة منه وفضل [ (٢) ] .


[ () ] الرحمة. قوله «قاربوا» ، أي لا تفرطوا، فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال، فتتركوا العمل فتفرطوا.
قوله: «واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة» المراد بالغدو السير من أول النهار، وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار، والدلجة (بضم المهملة وسكون اللام ويجوز فتحها وبعد اللام جيم» سير الليل، يقال: سار دجلة من الليل، أي ساعة، فلذلك قال: شيئا من الدجلة لعسر سير جميع الليل.
فكأنه فيه إشارة إلى صيام جميع النهار، وقيام بعض الليل، وإلى أعمّ من ذلك من سائر أوجه العبادة، وفيه إشارة إلى الحث على الترفق في العبادة، وهو الموافق للترجمة، وعبّر بما يدل على السّير، لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة. و «شيئا» منصوب بفعل محذوف، أي افعلوا.
قوله: «والقصد القصد» ، بالنصب على الإغراء، أي الزموا الطريق الوسط المعتدل. (المرجع السابق) .
[ (١) ] (مسلم بشرح النووي) : ١٧/ ١٦٤ باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة اللَّه تعالى: حديث رقم (٧١- ٢٨١٦) ، قال الإمام النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب، ولا عقاب، ولا إيجاب، ولا تحريم، ولا غيرهما من أنواع التكليف، ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع. ومذهب أهل السنة أيضا أن اللَّه تعالى لا يجب عليه شيء- تعالى اللَّه- بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذّب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار، كان عدلا منه، وإذا أكرمهم ونعّمهم وأدخلهم الجنة، فهو فضل منه، ولو نعّم الكافرين وأدخلهم الجنة، كان له ذلك، ولكنه أخبر وخبره صدق، أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويدخلهم في النار عدلا منه.
وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالفعل، ويوجبون ثواب الأعمال، ويوجبون الأصل، ويمنعون خلاف هذا، في ضبط طويل لهم، تعالى اللَّه عن اختراعاتهم الباطلة، المنابذة لنصوص الشرع.
وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق، أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته، وأما قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة اللَّه تعالى وفضله، فيصبح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال، أي بسببها، وهي من الرحمة، واللَّه أعلم. (المرجع السابق) .
[ (٢) ] (المرجع السابق) : ص ١٦٦، حديث رقم (٧٦- ( ... )) .