للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج من حديث أبي سنان عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي رضي اللَّه عنه قال: قيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل عبدت وثنا قط؟ قال: لا، قال:

شربت خمرا قط؟ قال: لا، وما زلت أعرف أن الّذي هم عليه كفر، وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الإيمان، وبذلك نزل القرآن: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (١) ] .


[ () ] أخرجا حديثه، وقال المزي فيما نقله عن الإمام الذهبي والحافظ ابن حجر: لم أقف على رواية أحدهما.
قال محقق (الإحسان) : ولم يرد له ذكر في كتاب رجال مسلم لابن منجويه، ولا في الجمع بين رجال الصحيحين لابن طاهر، ولا في رجال البخاري للكلاباذي.
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : ٤/ ٢٧٣، حديث رقم (٧٦١٩/ ١٩) ، من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق، وعلقه البخاري في (تاريخه) ١/ ١٣٠ باختصار، فقال: قال لي شهاب:
حدثنا بكر بن سليمان، عن ابن إسحاق به، (البداية والنهاية) : ٢/ ٣٥١.
[ (١) ] (الشورى: ٥٢) ، قال الزمخشريّ: فإن قلت: قد علم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يدري ما القرآن قبل نزوله عليه، فما معنى قوله تعالى: وَلَا الْإِيمانُ، والأنبياء لا يجوز عليهم إذا عقلوا وتمكنوا من النظر والاستدلال، أن يخطئهم الإيمان باللَّه وتوحيده، ويجب أن يكونوا معصومين من ارتكاب الكبائر، ومن الصغائر التي يكون فيها تنفير قبل المبعث وبعده، فكيف لا يعصمون من الكفر؟.
قلت: الإيمان اسم يتناول أشياء، بعضها الطريق إليه العقل، وبعضها الطريق إليه السمع، فعنى به ما الطريق إليه السمع دون العقل، وذلك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي، ألا ترى أنه فسّر الإيمان في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ بالصلاة، لأنها بعض ما يتناوله الإيمان.
(الكشاف) : ٣/ ٤٠٩- ٤١٠.
قال الإمام ناصر الدين أحمد بن المنير الاسكندري المالكي: لما كان معتقد الزمخشريّ أن الإيمان اسم التصديق مضافا إليه كثير من الطاعات فعلا وتركا، حتى لا يتناول الموحد العاصي ولو بكبيرة واحدة اسم الإيمان، ولا يناله وعد المؤمنين، وتفطن لإمكان الاستدلال على صحة معتقده بهذه الآية، عدّها فرصة لينتهزها، وغنيمة ليحرزها، وأبعد الظن بإرادة مذهب أهل السنة على صورة السؤال، ليجيب عنه بصورة معتقده، فكأنه يقول: لو كان الإيمان وهو مجرد التوحيد والتصديق، كما تقول أهل السنة، للزم أن ينفي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل المبعث بهذه الآية كونه مصدّقا، ولما كان التصديق ثابتا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل البعث باتفاق الفريقين، لزم أن لا يكون الإيمان المنفي في هذه الآية عبارة عما اتفق على ثبوته، وحينئذ يتعين صرفه إلى مجموع أشياع من جملتها التصديق، ومن جملتها كثير من الطاعات التي لم تعلم إلا بالوحي، وحينئذ يستقيم نفيه قبل البعث، وهذا الّذي طمع فيه، لا يبلغ منه ما أراد، وذلك أن أهل السنة وإن قالوا أن الإيمان هو التصديق خاصة، حتى يتصف به كل موحد وإن كان فاسقا، يخصون التصديق باللَّه وبرسوله، فالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مخاطب في الإيمان بالتصديق برسالة نفسه، كما أن أمته مخاطبون بتصديقه، ولا شك أنه قبل الوحي لم يكن يعلم أنه رسول اللَّه، وما علم ذلك إلا بالوحي، وإذا كان الإيمان عند أهل السنة هو التصديق باللَّه ورسوله. ولم يكن هذا المجموع ثابتا قبل الوحي، بل كان الثابت هو التصديق باللَّه تعالى خاصة استقام نفي الإيمان قبل الوحي على هذه الطريقة الواضحة، واللَّه أعلم. (الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال) : ٣/ ٤١٠.