قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة النحويّ: أن بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك. قال ابن إسحاق: ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن لهم، حتى قالوا: لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا الأقط، ولا يسئلوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتا من شعر، ولا يستظلوا- إن استظلوا- إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما، ثم رفعوا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحلّ إلى الحرم إذا جاءوا حجّاجا أو عمّارا، ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس. فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة. ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من الحلّ ألقاها، فلم ينتفع بها هو ولا غيره، وكانت العرب تسمي تلك الثياب: اللّقى، فحملوا على ذلك العرب فدانت به، ووقفوا على عرفات وأفاضوا منها، وطافوا بالبيت عراة، أما الرجال فيطوفون عراة، وأما النساء فتضع إحداهنّ ثيابها كلّها إلا درعا مفرّجا عليها، ثم تطوف فيه، فقالت امرأة من العرب، وهي كذلك تطوف بالبيت: اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... وما بدا منه فلا أحلّه ويذكر أن هذه المرأة هي: ضباعة بنت عامر بن صعصعة، ثم من بني سلمة بن قشير. وذكر محمد بن حبيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خطبها، فذكرت له عنها كبرة، فتركها، فقيل إنها ماتت كمدا وحزنا على ذلك. قال ابن حبيب: إن كان صح هذا، فما أخّرها عن تكون أما للمؤمنين، وزوجا لرسول رب العالمين إلا قولها «اليوم يبدو بعضه أو كلّه» تكرمة من اللَّه لنبيه، وعلما منه بغيرته، واللَّه أغير منه ومن اللّقى: حديث فاختة أم حكيم بن حزام، وكانت دخلت الكعبة، وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام، فأجاءها المخاض، فلم تستطع الخروج من الكعبة، فوضعته فيها، فلفّت في الأنطاع هي وجنينها، وطرح مثبرها [المثبر: مسقط الولد] وثيابها التي كانت عليها، فجعلت لقي لا تقرب. ومما ذكر من تعرّيهم في الطواف أنّ رجلا وامرأة طافا كذلك، فانضم الرجل إلى المرأة تلذّذا واستمتاعا، فلصق عضده بعضدها، ففزعا عند ذلك، وخرجا من المسجد، وهما ملتصقان، ولم يقدر أحد على فك عضده من عضدها، حتى قال لهما قائل: توبا مما كان في ضميركما، وأخلصا للَّه التوبة، ففعلا، فانحلّ أحدهما من الآخر. (سيرة ابن هشام) : ٢/ ٢١- ٢٦. [ (١) ] (البقرة: ١٩٩) . [ (٢) ] (فتح الباري) : ٨/ ٢٣٦، كتاب التفسير، باب ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ حديث رقم (٤٥٢٠) .