للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن سيده [ (١) ] في كتاب المخصص: النبي هو من نبّأت، أي أخبأت، لأنه إنباء عن اللَّه، وأنبئ، ومن زعم أن أصله غير الهمز فقد أخطأ، لأن سيبويه قال:

وليس أحد من العرب إلا وهو يقول: تنبأ مسيلمة، فلو كان من النبوة- كما ذهب إليه غير سيبويه لقالوا: تنبأ مسيلمة، وبعضهم يقول تنبّأ مسيلمة، كما أن سنة لما كانت من الهاء عند قوم ومن الواو عند آخريين، قالوا: سنهات وسنوات، وكذلك عضة، قالوا مرة عضاة ومرة عضوات، فكذلك النبي: لو كان من النبوة ومن النبأ لهمز مرة وترك همزة أخرى.

قال: وزعم سيبويه [ (٢) ] أن بعض أهل الحجاز يهمزون النبي، وهي لغة رديئة،


[ (١) ] هو الحافظ أبو الحسن علي بن إسماعيل، المعروف بابن سيدة المرسيّ، كان إماما في اللغة والعربية، حافظا لهما، وقد جمع في ذلك جموعا، من ذلك كتاب [المحكم] في اللغة، وهو كتاب كبير جامع، مشتمل على أنواع اللغة، وله كتاب [المخصص] في اللغة أيضا وهو كبير، وكتاب [الأنيق] في شرح الحماسة في ست مجلدات، وغير ذلك من المصنفات النافعة، وكان ضريرا، وأبوه ضريرا، وكان أبوه أيضا قيّما بعلم اللغة، وعليه اشتغل ولده في أول أمره، ثم على أبي العلاء صاعد البغدادي، وقرأ أيضا على أيضا على أبي عمر الطّلمنكيّ، قال الطلمنكي: ذهبت إلى مرسية، فتشبّث بي أهلها يسمعون عليّ [غريب المصنف لأبي عبيد] ، فقلت لهم: انظروا لي من يقرأ لكم وأمسك أنا كتابي، فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيدة، فقرأه عليّ من أوله إلى آخره، فتعجبت من حفظه، وكان له في الشعر حفظه وتصرف.
توفي بحضرة [دانية] عشية يوم الأحد لأربع بقين من شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وعمره ستون سنة أو نحوها. رأيت على ظهر مجلد من المحكم بحفظ بعض فضلاء الأندلس أن ابن سيدة المذكور كان يوم الجمعة قبل يوم الأحد المذكور صحيحا سويا إلى وقت صلاة المغرب، فدخل المتوضّأ فأخرج منه وقد سقط لسانه، وانقطع كلامه، فبقي على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد ثم توفي، رحمه اللَّه. وقيل: سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، والأول أصح واشتهر. و [سيدة] : بكسر السين المهملة، وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح الدال المهملة، وبعدها ياء ساكنة. و [المرسيّ] :
بضم الميم وسكون الراء، هذه النسبة إلى مرسية، وهي مدينة في شرق الأندلس، و [الطّلمنكيّ] : بفتح الطاء المهملة واللام والميم وسكون النون وبعدها كاف، هذه النسبة إلى طلمنكة، وهي مدينة في غرب الأندلس، إلى الغرب من وادي الحجارة، وقال الحميري: بينها وبين وادي الحجارة عشرون ميلا.
(وفيات الأعيان) : ٣/ ٣٣٠- ٣٣١، ترجمة رقم (٤٤٩) ، (مرآة الجنان) : ١/ ٨٣، (سير أعلام النبلاء) : ١٨/ ١٤٤- ١٤٦، ترجمة رقم (٧٨) ، (معجم مصنفي الكتب العربية) :
٣٣٦، (كشف الظنون) : ١/ ٦٩١، ٢/ ١٦١٦- ١٦١٧، (لسان الميزان) :
٤/ ٢٠٥- ٢٠٦، (البداية والنهاية) : ١٢/ ١١٦- ١١٧.
[ (٢) ] إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، الفارسيّ، ثم البصريّ، وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألّف فيها كتابه الكبير الّذي لا يدرك شأوه فيه. استملى على حمّاد بن سلمة، وأخذ النحو عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، والخليل، وأبي الخطاب الأخفش الكبير.