واستدلوا به أيضا على جواز صلاة المفترض خلف المتنفّل من جهة أن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس، قاله ابن العربيّ وغيره. وأجاب عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة كانت واجبة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ، وتعقبه بما تقدم من أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة، وأجاب باحتمال أن الوجوب عليه كان معلقا بالبيان، فلن يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة. قال: وأيضا لا نسلم أن جبريل كان متنفلا بل كانت تلك الصلاة- واجبة علي لأنه مكلف بتبليغها، فهي صلاة مفترض بفرض خلف مفترض بفرض آخر. قوله: «بهذا أمرت» ، بفتح المثناة على المشهور، والمعنى هذا الّذي أمرت به أن تصليه كل يوم وليلة، وروي بالضم، أي هذا الّذي أمرت بتبليغه لك. قوله: «كذلك كان بشير» ، هو بفتح الموحّدة، بعدها معجمة بوزن فعيل، وهو تابعي جليل، ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورآه. قال ابن عبد البر: هذا السياق منقطع عند جماعة من العلماء، لأن ابن شهاب لم يقل: حضرت مراجعة عروة لعمر، وعروة لم يقل: حدثني بشير، لكن الاعتبار عند الجمهور بثبوت اللقاء والمجالسة، لا بالصيغ. وقال الكرماني: اعلم أن الحديث بهذا الطريق ليس متصل الإسناد، إذ لم يقل أبو مسعود: «شاهدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، ولا قال: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» . قلت: هذا لا يسمى منقطعا اصطلاحا، وإنما هو مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة، فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو بلغه عنه بتليغ من شاهده أو سمعه كصحابي آخر. على أن رواية الليث عند المصنف تزيل الإشكال كله، ولفظه: «فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول» ، فذكر الحديث. وكذا سياق ابن شهاب، وليس فيه التصريح بسماعه له من عروة، وابن شهاب قد جرّب عليه التدليس، لكن وقع في رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن شهاب قال: «كنا مع عمر بن عبد العزيز» ، فذكره. وفي رواية شعيب عن الزهري: «سمعت عروة يحدث عمر بن عبد العزيز» ، الحديث. قال القرطبي: قول عروة إن جبريل نزل ليس فيه حجة واضحة على عمر بن عبد العزيز إذ لم يعين له الأوقات. قال: وغاية ما يتوهم عليه أن نبّهه وذكّره بما كان يعرفه من تفاصيل الأوقات. قال: وفيه بعد، لإنكار عمر على عروة حيث قال له: «اعلم ما تحدث يا عروة» . قال: وظاهر هذا الإنكار أنه لم يكن عنده علم من إمامة جبريل. قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من كونه لم يكن عنده علم منها أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات المذكورة من جهة العمل المستمر، لكن لم يكن يعرف أن أصله لم يكن بتبيين جبريل بالفعل، فلهذا استثبت فيه، وكأنه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت الواحد، وكذا يحمل عمل المغيرة وغيره من الصحابة، ولم أقف في شيء من الروايات على جواب المغيرة لأبي مسعود، والظاهر أنه رجع إليه واللَّه أعلم ...