للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّه ثم قال: [ما بال] [ (١) ] أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فو اللَّه إني لأعلمهم باللَّه وأشدهم [له] [ (١) ] خشية. وخرجه مسلم بنحوه أو قريب منه [ (٢) ] .

وخرج الترمذي من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن


[ (١) ] تكملة من البخاري.
[ (٢) ] (مسلم بشرح النووي) : ١٥/ ١١٥، كتاب الفضائل، باب (٣٥) علمه صلى اللَّه عليه وسلّم باللَّه تعالى وشدة خشيته، حديث رقم (١٢٧) ، (١٢٨) .
قوله: «ما بال أقوام» ، في رواية جرير «ما بال رجال»
قال ابن بطال: هذا لا ينافي الترجمة، لأن المراد بها المواجهة مع التعيين، كأن يقول: ما بالك يا فلان تفعل كذا، وما بال فلان يفعل كذا، فأما مع الإبهام فلم تحصل المواجهة وإن كانت صورتها موجودة، وهي مخاطبة من فعل ذلك، لكنه لما كان من جملة المخاطبين ولم يميز عنهم، صار كأنه لم يخاطب.
قوله: «يتنزهون عن الشيء أصنعه» ، في رواية جرير «بلغهم عني أمر ترخّصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه» ، وفي رواية أبي معاوية: «يرغبون عما رخص لي فيه» .
قوله: «فو اللَّه إني لأعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية» ،
جمع بين القوة العملية، والقوة العلمية، أي أنهم توهموا أن رغبتهم عما أفعل أقرب لهم عند اللَّه، وليس كذلك، إذ هو أعلمهم بالقربة، وأولادهم بالعمل بها.
قال ابن بطال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رفيقا بأمته، فلذلك خفف عنهم العتاب، لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من الأخذ بالشدة، ولو كان ذلك حراما لأمرهم بالرجوع إلى فعله.
قال الحافظ ابن حجر: أما المعاتبة فقد حصلت منه لهم بلا ريب، وإنما لم يميز الّذي صدر منه ذلك سترا عليه، فحصل منه الرّفق من هذه الحيثية، لا بترك العتاب أصلا، وأما استدلاله بكون ما فعلوه غير حرام، فواضح من جهة أنه لم يلزمهم بفعل ما فعله هو.
وفي الحديث الحث على الاقتداء بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، وذم التعمق والتنزه عن المباح، وحسن العشرة عند الموعظة، والإنكار والتلطف في ذلك.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: فيه الحث على الاقتداء به صلى اللَّه عليه وسلّم، والنهي عن التعمق في العبادة، وذم التنزه عن المباح شكّا في إباحته.
* وفيه الغضب عند انتهاك حرمات الشرع. وإن كان المنتهك متأولا تأويلا باطلا.
* وفيه حسن المعاشرة بإرسال التعزير والإنكار في الجمع، ولا يعين فاعله، فيقال: ما بال أقوام ونحوه.
* وفيه أن القرب إلى اللَّه تعالى سبب لزيادة العلم به وشدة خشيته.
وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فو اللَّه لأنا أعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية» ،
فمعناه أنهم يتوهمون أن سننهم عما فعلت أقرب لهم عند اللَّه، وإن فعل خلاف ذلك، وليس كما توهموا، بل أنا أعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية، وإنما يكون القرب إليه سبحانه وتعالى، والخشية له على حسب ما أمر، لا بمخيلات النفوس، وتكلف أعمال لم يأمر بها. واللَّه أعلم.