للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمثبتون للمثال: يعتبرون الروايتين من باب (النص) في الأولى، و (المفسَّر) في الثانية.

فقوله: "توضئي لكل صلاة" (نص) يحتمل التأويل، وهو أن يكون المراد من قوله: "لكل صلاة" وقت كل صلاة؛ لأن اللام تستعار للوقت. يقال: آتيك لصلاة الظهر، أي وقتها.

أما قوله: "لوقت كل صلاة" فهو (مفسر) لا يحتمل التأويل، لكون لفظ الوقت فيه صريحًا، فيقدم المفسَّر على النص، فيكون واجب المستحاضة الوضوءَ عند الوقت، لا عند الصلاة، وإن كان في تأويل (لكل صلاة) بـ (وقت كل صلاة) جنوح عن الحقيقة إلى المجاز، بلا دليل على هذا المجاز (١).

والوضوء للوقت: هو ما ذهبت إليه الحنفية - كما قدّمنا - وهو أيضًا مذهب العترة (٢)؛ فكان المقرر عند هؤلاء جميعًا أن المستحاضة إنما يجب عليها الوضوء، إذا دخل وقت الصلاة، وليس الواجب الوضوء لكل صلاة.

ومن هنا، كان لها أن تصلي بالوضوء الواحد ما شاءت من الفرائض والنوافل، ما دام الوقت باقيًا، وينتهي حكم الوضوء بانتهاء الوقت.

أما على القول الأول: فعند كل صلاة يجب عليها الوضوء، فلا تصلي بالوضوء الواحد أكثر من فريضة، ولكن لها أن تصلي النافلة، كما مر.

وقد فرّق العلماء بين الفريضة والنافلة؛ لأن النوافل تكثر؛ فلو ألزمت بالوضوء لكل نافلة لشقّ ذلك عليها (٣).

وفي نظرنا: أن التمثيل للتعارض بين النص والمفسّر، وتقديم الأقوى، بهاتين الروايتين، قد ينطبق من الناحية النظرية على ما رسمه العلماء من تعريف هذين القسمين من أقسام (واضح الدلالة) عند الحنفية.


(١) انظر: "نيل الأوطار" شرح "منتقى الأخبار" للشوكاني (١/ ٢٩٨).
(٢) "نيل الأوطار" (١/ ٢٩٨).
(٣) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>