للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن لا بد من ملاحظة أمرين اثنين:

أولهما: أن الروايتين ليستا على صعيد واحد من حيث الصحة، وصلاحية الاحتجاج؛ فالنص في الرواية الأولى حديث حكم عليه العلماء بالصحة، وأخرجته كتب الصحيح، أما النص الثاني المشتمل على ذكر (الوقت): فأقل ما فيه أنه حديث فيه مقال، حتى قال عنه الزيلعي الحنفي صاحب "نصب الراية": (غريب جدًّا).

الأمر الثاني: أن المتقدمين من رجال المذهب يرون - فيما يبدو - أن ذهاب الإمام أبي حنيفة، ومَن ذكرنا من أصحابه إلى الوضوء عند كل وقت صلاة، لم يكن لرواية فيها ذكر الوقت، وإنما كان البعض المعاني التي تقوم على النظر. ونحن نثبت هنا رأي أبي جعفر الطحاوي، أحد كبار أئمة المذهب المتقدمين (١).

فلقد قرر أن مذهب الحنفية في هذه المسألة، قوي من جهة النظر، دون أن يعرض لما عرض له علماء الأصول فيما بعد، من إثبات رواية اعتمدوا عليها فيما ذهبوا إليه.

وقد كشف أبو جعفر عن قوة المذهب التي أشار إليها وأقام ذلك على عدة دعائم:

منها: أن القائلين بوجوب الوضوء لكل صلاة: أجمعوا على أنها إذا توضأت في وقت صلاة فلم تصلِّ حتى خرج الوقت، فأرادت أن تصلي بذلك الوضوء، أنه ليس لها ذلك، حتى تتوضأ وضوءًا جديدًا.


(١) هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري، أبو جعفر الطحاوي، من كبار الفقهاء، انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. ولد ونشأ في (طحا) بفتح الطاء والحاء المهملتين: قرية في صعيد مصر. وقد صحب خاله المزني الفقيه الشافعي صاحب "المختصر" وتفقه عليه ثم تحوّل إلى مذهب الحنفية. ولد أبو جعفر سنة ٢٢٩ هـ وتوفي سنة ٣٢١ هـ. له تصانيف عدة من أهمها: "شرح معاني الآثار" و "مشكل الآثار" و "اختلاف الفقهاء" و "كتاب الشفعة" و "بيان السنّة" (رسالة).
وينظر: مقدمة "شرح معاني الآثار" (١/ ٢ - ٥)، "الأعلام" للزركلي (١/ ١٩٨)، "شرح عقيدة الطحاوي" (٢٣ م - ٢٥ م).

<<  <  ج: ص:  >  >>