للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج - وذهب الشافعية - في الصحيح عندهم - إلى أن القاتل لا يرث بحال، فلفظ (القاتل) في الحديث يشمل كل الأفراد. وقد استشهد الشيرازي في "المهذب" بحديث ابن عباس السابق: "مَن قتل قتيلًا فإنه لا يرثه … " ثم قال: (ولأن القاتل حُرِمَ الإرث حتى لا يجعل القتل ذريعة إلى استعجال الميراث، فوجب أن يحرم بكل حال لحسم الباب) (١).

د - أما الحنابلة: فقد جعلوا ضابط القتل المانع من الإرث: القتلَ بغير حق؛ وهو القتل المضمون بقَود، أو دية، أو كفارة.

وعليه: فالقائل الذي لا يرث، هو قاتل العمد، وشبه العمد، والخطأ، والمتسبِّب، وكذا الصبيُّ، والمجنون، والنائم. وكلُّ قائل يعتبر قتله جاريًا مجرى الخطأ.

أما القاتل بحق: فلا يمنع من الميراث. قال ابن قدامة: (وما ليس بمضمون بشيء مما ذكرنا - يعني القود، أو الدية، أو الكفارة - لم يُمنع من الميراث، كالقتل قصاصًا، أو حدًّا، أو دفعًا عن نفسه، وقتل العادل الباغي، أو من قصد مصلحة مَوْليّة بما له فعله، ومن أمَرَهُ إنسان عاقل كبير يبط (٢) خُرّاجه، أو قطع سلعة (٣) منه فتلف بذلك: وَرِثَهُ في ظاهر المذهب) (٤).

وقد روي عن الإمام أحمد قوله: (إذا قتل العادل الباغِيَ في الحرب يرثه). ونقل محمد بن الحكم عنه في أربعة شهود شهدوا على أختهم بالزنى فرجمت، فرَجَموا مع الناس قوله: (يرثونها، هم غير قتلة).

وفي كتب الحنابلة أنه روي عن الإمام أحمد، ما يدل على أن القاتل عنده لا يرث بحال، كما هو مذهب الإمام الشافعي. ومنشأ ذلك ما جاء


(١) "المهذب" للشيرازي (٢/ ١٤).
(٢) البَط: الشق، مصدر بط. يقال: بطّ الرجل الجرح بطأ، من باب (قتل) شقه.
(٣) السلعة: خراج كهيئة الغدة تتحرك بالتحريك. قال الأطباء كما في "المصباح المنير": هي ورم غليظ ملتزق باللحم يتحرك عند تحريكه، وله غلاف، وتقبل التزايد لأنها خارجة عن اللحم، ولهذا قال الفقهاء: يجوز قطعها عند الأمن.
(٤) راجع: "المغني" لابن قدامة (٦/ ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>