للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا: ونحب أن نبادر إلى تقرير أن أنواعًا كثيرة من التأويل تجري في ميدان الاستنباط، منها: حمل الحقيقة على المجاز، وحمل المشترك على أحد معنيبه أو معانيه، وحمل المطلق على المقيد (١)، وحمل العام على الخاص، وحمل الأمر على غير الوجوب، والنهي على غير التحريم، إلى غير ذلك مما يأتي في موطنه من البحث.

ومما ذكره صاحب "مفتاح الوصول" (٢) من التأويل: الإضمار. وقد مثّل له باحتجاج القائلين بجواز عبور المسجد للجنب بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣)[النساء: ٤٣]. إذ أضمر أصحاب هذا القول محذوفًا مقدرًا وهو (موضع الصلاة) فكان تأويل قوله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ لا تقربوا موضع الصلاة.

والذي ساعدهم على هذا التأويل: أنه لما استثني من النهي عابرو السبيل، دلّ ذلك على أن المراد موضع الصلاة، وهو المسجد، لا الصلاة نفسها، وتقييد جواز العبور بالسفر؛ بأن يراد بعابري السبيل: المسافرون لا دليل عليه، والعبور إنما يكون في المسافات القصيرة.

والقول بجواز العبور في المسجد: ذهب إليه ابن مسعود، وابن عباس، والشافعي وأصحابه .

وقد وهِم التلمساني، فجعل تطبيق المثال منوطًا بمذهب مالك ،


(١) المطلق: لفظ خاص منتشر في أفراده، لم يقيَّد بقيد لفظي يقلل شيوعه. والمقيّد: لفظ خاص قيّد بقيد لفظي قلل من شيوعه.
(٢) هو محمد بن أحمد الحسني أبو عبد الله، المشهور بالشريف التلمساني من المالكية، كان على براعة في علوم الشريعة وعدد غيرها من العلوم، من العلماء الذين تخرّجوا على يديه أبو إسحاق الشاطبي وابن خلدون، من مصنفاته: "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول". توفي سنة ٧٧١ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>