للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظاهر إلى غيره (١) وأن يكون هذا الدليل راجحًا على ظهور اللفظ في مدلوله.

وذلك لأن الأصل في عبارات الشارع، ونصوص أحكامه: أنها قوالب لمدلولاتها الظاهرة، والواجب العمل بهذه الظواهر، إلا إذا قام دليل العدول عنها إلى غيرها.

فالمطلق على إطلاقه هو الظاهر، ولا يعدل عن هذا الظاهر الشائع إلى التقييد، إلا بدليل يدل على إرادة هذا القيد، وظاهر الأمر: الوجوب، فيجب العمل بهذا الظاهر، ولا يُحْمَلُ الأمر على الندب أو الإرشاد إلا بدليل. وكذلك النهي: ظاهره التحريم، فلا يتحقق مدلوله إلا بالكف، أما العدول إلى الكراهة مثلًا: فلا يقبل إلا بدليل.

وهكذا دلّت نصوص هذه الشريعة وروحها: أن مما يستقيم مع المنهج العام لاستنباط الأحكام: أن لا يُؤَوَّل الكلام، فيصرف عن معناه الظاهر إلى غيره: إلا بسند لهذا التأويل (٢).

ولقد اعتبر إمام الحرمين أن المراتب في هذا المجال ثلاث:

فإما تأويل مقبول: وذلك حين تقديم الدليل الذي يقوى على صرف الكلام عن الظاهر.

وإما تأويل مردود غير سائغ: وذلك حين لا يقوى الدليل على صرف اللفظ عن ظاهره، إلى معنًى محتمل.

وإما تعارض: وذلك حين يستوي المؤول وما عَضَدَ التأويلَ به.

قال في "البرهان": (يعتبر المؤول بما يعضد التأويلَ به: فإن كان ظهور المؤول زائدًا على ظهور ما عُضِدَ التأويل به: فالتأويل مردود. وإن كان ما


(١) راجع: "روضة الناظر وجنة المناظر" لابن قدامة (٢/ ٣١ - ٣٢)، "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ١٧٧).
(٢) راجع: "الروضة الناظر" (٢/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>