للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسباب النزول: فقد ورد في ذلك - كما ذكر الطبري - أن القوم كانوا يتحوّبون (١) في أموال اليتامى أن لا يعدلوا فيها، ولا يتحوّبون في النساء، أن لا يعدلوا فيهن، فقيل لهم: كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى، فكذلك، فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن، ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع، ولا تزيدوا على ذلك، وإن خفتم ألا تعدلوا أيضًا في الزيادة عن الواحدة: فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن؛ من واحدة أو ما ملكت أيمانكم).

وعن السُّدي: كانوا يتشدّدون في اليتامى ولا يتشدّدون في النساء؛ ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن، فنزلت (٢). وروي مثل ذلك عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهما (٣).

وإذن فحكمُ إباحة التعدد مع عدم الزيادة على أربع، ووجوبِ الاقتصار على الواحدة عند خوف الجور - كما جاء في الآية - مقصودان أصالة وقد استتبعا بيان إباحة الزواج.

فحكم الإباحة مقصود تبعًا لا أصالة، وقد ذُكر ليُتوصل به إلى المقصود أصالة، وهما الحكمان: الثاني والثالث.

ودلالة الآية على هذه الأحكام الثلاثة: دلالة بعبارة النص، مع أنها - أي الأحكام - ليست كلها على درجة واحد من القصد في السَّوق.

هذا: ولقد بلغت أحكام هذه الآية من الوضوح حدًا جعل القولَ بإباحة الجمع بين أكثر من أربع زوجات حرائر، مرة واحدة: ضربًا من الانحراف والفساد في التأويل، والخروج على مفهوم اللغة وروح الشريعة. فلقد نسب إلى الرافضة القول بإباحة تسع نسوة للرجل أخذًا من قوله تعالى: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾. وردّ عليهم ابن العربي مقالتهم هذه وحكم عليها بالجهالة،


(١) يجدون حرجًا.
(٢) يعني قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣)﴾ [النساء: ٣].
(٣) راجع: "جامع البيان" للطبري (٧/ ٥٣٦)، "تفسير القرطبي" (٥/ ١٥) وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>