للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا كان ما ذهب إليه الفقهاء من الحنفية ثلاثة أقوال في المسألة، كما ذكرنا.

الأول: تقديم الأم فهي أحق لعجزها.

الثاني: تقديم الأب فهو أحق لأنه هو الذي يجب عليه نفقة الابن في صغره.

الثالث: تقسيم النفقة بينهما.

وقد اعتبر القول الأول هو المنصور عند الحنفية، وعبّر عنه صاحب "الدر المختار" بقوله: (لو لم يقدر إلا على نفقة أحد والديه فالأم أحق) وبعد أن ذكر ابن عابدين (١) القولين الآخرين، أيّد القول الأول برواية ثالثة لحديث: (حُسن الصحابة) فقال: (ويؤيد الأول ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسّنه عن معاوية التستري: قلت يا رسول الله مَن أبرّ؟ قال: "أُمك" قلت: ثم مَن؟ قال: "أُمك" قلت: ثم مَن؟ قال: "أباك ثم الأقرب فالأقرب" (٢).

ومن الواضح أن الفقهاء الذين جنحوا إلى تقديم الأم في حق النفقة في تلك الحال، لم يكن المرجح الأول عندهم مسألة تقديم العبارة على الإشارة، وإنما هو عجز الأم بطبيعة أنوثتها؛ وأيّد ابن عابدين هذا الرأي بالحديث الآنف الذكر.

وفي رأينا: أن الاتجاه إلى اعتبار الحديث مؤيدًا للحكم لا أساسًا قام عليه الحكم، يهوِّن من طلب إثبات أن هذا الحديث من "المشهور" ليصلح بيانًا لعام الكتاب إذا جرينا على أن الإشارة لها عموم كما هو مذهب الأكثرين.


(١) هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز، مولده ووفاته في دمشق، كان إمام الحنفية في عصره. من أهم مصنفاته: "رد المحتار على الدر المختار" ويُعرف بـ "حاشية ابن عابدين"، "مجموعة رسائل" في موضوعات شتى هامة. توفي سنة ١٢٥٢ هـ.
(٢) راجع: ابن عابدين (٢/ ٦٧٣ - ٦٧٧)، "شرح قانون الأحوال الشخصية" للأستاذ الدكتور مصطفى السباعي (١/ ٣٠٤ - ٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>