للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينما يَرى أبو حنيفة التعزيز في حق مرتكب هذه الجريمة، يرى أبو يوسف ومحمد بن الحسن أن عمل قوم لوط هو بمنزلة الزنى، وأن على المرتكب حد الزاني، وهو رأي الإمام الشافعي (١).

وأبو يوسف ومحمد يوجبان حد الزنى في اللواطة: بدلالة النص، لأن العلة التي كانت مناط وجوب الحد في الزنى: سفح الماء في محل محرم مشتهى. وهذا المعنى أكثر توفرًا في اللواطة، فالحرمة فيها أبلغ وإنما تبدل اسم المحل؛ فيثبت حد اللواطة بدلالة النص.

فقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] يدل بطريق العبارة على حد الزاني والزانية، ويدل بطريق الدلالة على ثبوت الحد نفسه للِّواطة.

أما الإمام أبو حنيفة: فيرى - كما نقل عنه - أن المناط في الزنى هلاك نفس معنًى وحكمًا، لأن الولد الذي يتخلق من السفاح هو في حكم المعدوم من عدة وجوه: منها ضياع النسب، وعدم وجود المسؤول عن الإنفاق، وهذا غير متوافر فيما نحن فيه؛ لأن الموضع ليس موضع حرث، إلى جانب أن الشهوة في الزنى ثابتة من الطرفين بخلافها في اللواطة، وأن هذا مما تنفر منه الطباع السليمة. ولذلك لم يرَ وجوب الحد وإنما أوجب التعزير.

والذي يبدو أن الجزم بحد الزنى في اللواطة من طريق دلالة النص، مما لا تطمئن إليه النفس، خصوصًا وأن الحد مشروع زجرًا، وذلك يكون عند دعاء الطبع من الجانبين وهو - كما قدّمنا - غير متوافر هنا. وفي باب العقوبات تعتبر صفة الكمال لما في النقصان من شبهة العدم، ودرء الحدود بالشبهات أمر معروف في الشريعة ومطلوب. والمفروض بما يؤخذ من


(١) يرى مالك والليث الرجم، محصنًا كان المجرم أو غير محصن، وهو رواية عن أحمد. والذي ذهب إليه الصاحبان والشافعي: هو قول عثمان البتي والحسن بن صالح، والحسن، وإبراهيم وعطاء، وهو رواية أخرى عن أحمد أيضًا. راجع: "أحكام القرآن" للجصاص (٣/ ٣٠٣)، "المغني" (٨/ ١٨٦ - ١٨٧)، "المهذب" للشيرازي (٢/ ٢٦٨)، "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (٤/ ٣١٤) فما بعدها. "الهداية مع فتح القدير والعناية" (٤/ ١٥٠ - ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>