وكذلك بالنسبة للنسيان: كان مقتضى دلالة الاقتضاء في الحديث، ألّا يقضي الناس الصلاة، وصريح النص يقول:"مَن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"(١).
وهكذا يستقيم التمثيل إذا قلنا بعموم المقتضى، بحيث يشمل الرفع الحكمَ الدنيوي والأخرويَّ، فعندها يتحقق التعارض بين دلالة الاقتضاء التي هي رفع حكم الخطأ والنسيان في الدنيا والآخرة، ودلالة العبارة في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ ودلالة العبارة أيضًا في قول النبي ﷺ: "مَن نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها".
وذلك لأن موجَب دلالة الاقتضاء حينئذ: رفع الحكم الدنيوي والأخروي عن القاتل خطأ، وعن تارك الصلاة نسيانًا، وموجَب عبارة النص في الآية والحديث، عدمُ الحكم الدنيوي فقط عنهما، وما دامت دلالة العبارة أقوى من دلالة الاقتضاء، فإنها تقدم عليها عند التعارض فيُلزَم القاتل خطأ بالعقوبة، ويُلزم التارك للصلاة نسيانًا بالقضاء.
أما إذا لم نقل بعموم المقتضى: فلا تعارض بين موجَب دلالة الاقتضاء في الحديث وهو وضع الإثم عن المخطئ والناسي، وبين مَوجب عبارة
(١) أما الحديث: فقد جاء بروايات متعددة، من ذلك ما روى أحمد (١٣٥٨٥) والبخاري (٥٩٧) ومسلم (١٥٥٨) عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال: "مَن نسي صلاة فليصلِّها إذا ذكرها، ولا كفارة لها إلا ذلك". ولمسلم: "إذا وقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلِّها إذا ذكرها فإن الله ﷿ يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤]. وأخرج أحمد وأصحاب الكتب السنة إلا البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "مَن نسي صلاة فليصلِّها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤]. وانظر: "الجامع الصحيح مع فتح الباري": (٥٩٧) مسلم (٦٨٠) أبو داود (٤٣٥) الترمذي (٣١٦٣)، النسائي (٦١٨)، ابن ماجه (٦٩٦) و (٦٩٧). وعن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي ﷺ نومهم عن الصلاة فقال: "إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها" رواه النسائي والترمذي وصححه - انظر: "معالم السنن" للخطابي (١/ ١٣٦)، "صحيح البخاري مع فتح الباري" (٢/ ٢٧)، "منتقى الأخبار" (٢/ ٢٦).