للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا رأينا إمامًا كأبي بكر الباقلاني لم يقم وزنًا لإنكار مفهوم الموافقة وقال: (القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه).

وقال ابن رشد: (لا ينبغي للظاهرية أن يخالفوا في مفهوم الموافقة لأنه من باب السمع، والذي ردّ ذلك يردُّ نوعًا من الخطاب).

واعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية مخالفة ابن حزم للجمهور في هذه القضية: مكابرة (١).

وعلى هدي هذا المسلك، من اعتبار مفهوم الموافقة طريقًا من طرق الدلالة على الأحكام، عُني الباحثون بعلوم القرآن بإبرازه وتقديمه. حتى رأينا إمامًا كالزركشي من رجال المائة الثامنة للهجرة يفرده بفصل خاص من باب معرفة أحكام القرآن. وإن كان أتى به تحت اسم تنبيه الخطاب.

وقد بيّن أن تنبيه الخطاب يأتي في الطلب، كما يأتي في الخبر، وأوضح ما يريد بعدد من الأمثلة التي تزيح الغشاوة وتنير السبيل (٢).


(١) راجع "البحر المحيط" للزركشي ج ٢ مخطوط دار الكتب المصرية. "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ١٦٦).
(٢) قال : (ومما تستثمر منه الأحكام: تنبيه الخطاب؛ وهو إما في الطلب كقوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] فنهيه عن القليل منه يدل على الكثير، وقوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢] يدل على تحريم الإحراق والإتلاف.
وإما في الخبر:
فإما أن يكون بالتنبيه بالقليل على الكثير كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا﴾ [الزلزلة: ٧] فنبّه على أن الرطل والقنطار لا يضيع لك عنده، وكقوله: ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣)﴾ [فاطر]، ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء]، ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء]، ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ [يونس: ٦١] مع خفائه ودقته، فهو بألا يذهب عنه الشيء الجليل الظاهر: أولى.
وإما بالكثير على القليل، كقوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: ٧٥] فهذا من التنبيه على أنه يؤدي إليك الدينار وما تحته، ثم قال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ فهذا من الأول؛ وهو التنبيه بالقليل على الكثير؛ فدلّ بالتنبيه على أنك لا تأمنه بقنطار، يعكس الأول.
ومثل قوله في فرش أهل الجنة: ﴿بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: ٥٤] وقد علمنا أن أعلى ما =

<<  <  ج: ص:  >  >>