للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاني القرآن باجتهاده، ولو صحبتها الشواهد، ولم يعارض شواهدها نص صريح. وهذا عدول عما تُعُبِّدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه كما قال تعالى: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ولو صحّ ما ذهب إليه لم يُعلم شيء بالاستنباط. ولما فهم الأكثرُ من كتاب الله شيئًا (١).

وهكذا يبدو واضحًا، أن على العباد معرفة تفسير ما لم يحجب عنهم تأويله، مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، وأنه محال - كما يقول ابن جرير - أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له، ولا يعقل تأويله: (اعتبر بما لا فهم لك به، ولا معرفة من القيل والبيان والكلام) إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبل ذلك: فمستحيل أَمْرُهُ بتدبره والعمل به، وهو بمعناه جاهل (٢).

٢ - لقد ثبت أن النبي دعا لعبد الله بن عباس بقوله: "اللهم فقِّهه في الدين وعلّمه التأويل" (٣) فلو كان التأويل - وهو هنا التفسير - مقصورًا على السماع والنقل كالتنزيل نفسه، لما كان هناك من فائدة لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء.

ولو كان علم التفسير مأثورًا كله عن النبي لقال: "اللهم حفظه التأويل". فدلّ ذلك - كما هو واضح - على أن المراد من التأويل الوارد في الدعاء: أمر آخر وراء النقل والسماع، ألا وهو التفسير بالرأي والاجتهاد. ولقد ظهرت آثار دعوة محمد في ابن عباس فكان حبر هذه الأمة، خصوصًا في الفقه والتفسير.


(١) راجع: "البرهان في علوم القرآن" المزركشي (٢/ ١٦٢ - ١٦٣).
(٢) راجع: "تفسير الطبري" (١/ ٨٢).
(٣) أخرجه أحمد (٣٠٣٣) والبخاري (١٤٣) وابن حيان (٧٠٥٥)، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وللبخاري عدة روايات منها: "اللهم فقّهه في الدين" بدون "وعلِّمه التأويل"، ومنها أن النبي ضمّ ابن عباس إلى صدره وقال: "اللهم علّمه الكتاب" (٧٥)، ومنها "اللهم علِّمه الحكمة"، وفي رواية لمسلم: "اللهم فقِّهه". وانظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (١/ ٢٨٦) من القسم الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>