للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - رويت أخبار صحيحة، تدل على أن كثيرًا من الصحابة والتابعين، عُنوا بتفسير آي الكتاب وبيانها؛ ولو كان محظورًا لما فعلوه (١).

ثم إنهم اختلفوا في تفسير كثير من النصوص على وجوه، وليس كل ما قالوه في التفسير، هو من المأثور عن النبي ، إذ كل ما ليس مما استأثر الله بعلمه، أو مما لم يكن بيانه خاصًّا بالرسول ، قد فسروه برأيهم واجتهادهم (٢) ووصلوا إلى معناه من طريق الاستنباط وإعمال الفكر، وذلك ينافي أن يكون الاجتهاد في التفسير محظورًا، بل كان تفسير آي الكتاب، وفقه معانيها، سبيلَهم إلى الخير والمعرفة، حتى قال سعيد بن جبير: (مَن قرأ القرآن ثم لم يفسره كان كالأعمى أو كالأعرابي) (٣).

وجميل ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وكثير من أهل الرسوخ: أن اختلاف الصحابة في التفسير: هو اختلاف تنوُّع لا اختلاف تضاد.

وكان أبو جعفر الطبري يقول: (إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله، كيف يلتذ به) (٤).


(١) روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس"، وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول ابن عباس: "أكتب" قال: حتى سأله عن التفسير. وعن شقيق بن سلمة قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت. وقد ورد مثل ذلك عن ابن مسعود؛ فعن مسروق قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمَ نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته. وعن مسروق أيضًا: "كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار). انظر: "تفسير الطبري" (١/ ٨٠ - ٨١).
(٢) من أمثلة ذلك رأي الصحابة في العَوْل في الفرائض عند تزاحم الفروض، ورأيهم في مسألة زوج وأبوين وامرأة وأبوين: أن للأم ثلث ما بقي بعد فرض الزوجين، ورأيهم في توريث المبتوتة في مرض الموت، ورأيهم في المُحرم يقع على أهله: بفساد حجه ووجوب المضي فيه والقضاء والهدي من قابل، ورأيهم في الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما: أفطرنا وقضنا وأطعمنا لكل يوم مسكينًا، ورأيهم في الكلالة وغير ذلك. انظر: "إعلام الموقعين" لابن القيم (١ - ٨٢).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (١/ ٨١).
(٤) انظر: مقدمة الأستاذ محمود محمد شاكر لـ "تفسير الطبري" (١/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>