للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند الوقوف على ماهية الاجتهاد، كما حدَّدها علماء الأصول في الصورة التي عرضناها في تعريفه، يلاحظ أنه يشمل حالة عدم وجود نص على الحكم، كما يشمل حالة وجود نص عليه، فيكون الاجتهاد لاستنباط الحكم.

فمجال الاجتهاد هو ما يعرض من الوقائع وذلك في حالتين:

١ - أن تكون الوقائع غير منصوص على أحكامها.

ب - أن تكون مما نصّ على أحكامها، ولكن بنص غير قاطع ثبوتًا فهو ظني الثبوت، أو غير قاطع دلالة، فهو ظني الدلالة كما سيأتي.

وعلى هذا: فمجال الاجتهاد متسع لاستنباط الأحكام للوقائع الجديدة في حالة عدم وجود النص؛ وذلك بما نصب الشارع من أمارات للدلالة على الأحكام (١)، كما أنه متسع في حالة وجود النص.

ومن أبرز ألوان الاجتهاد في حالة عدم وجود النص: "القياس" الذي أخذ به جمهور المسلمين (٢). ويمكن تعريفه بأنه (إعطاء واقعة مسكوتٍ عنها حكمَ واقعة منصوصٍ عليها، لتساويهما في علة جامعة لذلك الحكم، لا تدرك بمجرد معرفة اللغة).

واجتهاد المستنبط، يقوم في هذه الحالة، على بذل الجهد للتحقق من إمكان القياس، وإعطاء الحكم للواقعة الجديدة: وذلك عن طريق البحث في


(١) كالقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، والاستصحاب، وسد الذرائع.
(٢) وقد خالف فيه إبراهيم بن سيار النظّام المتوفى سنة ٢٣١ هـ وداود بن علي الأصبهاني المتوفي سنة ٢٧٠ هـ والذي نشأ بظهوره مذهبُ الظاهرية، ذلك المذهب الذي أيقظه من رقاده أبو محمد علي بن حزم الأندلسي المتوفى سنة ٤٥٦ هـ غير أن داود يأخذ بما يسمونه القياس الجلي، وهو الذي يكون المقيس فيه أوْلى بالحكم من المقيس، أو مساويًا له؛ وهو ما يدعى عند الكثيرين: دلالة النص، أو مفهوم الموافقة. أما ابن حزم: فلم يفرق في الإنكار بين قياس جلي أو خفي. وخالف في القياس غير الجلي والقياس غير المنصوص على علته: الشيعةُ الإمامية. ومظان تفصيل ذلك مباحث القياس والتعليل في كتب الأصول. وانظر: "مصادر التشريع ومناهج الاستنباط" للمؤلف (ص ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>