للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علة الحكم، ليصار إلى تعدية هذا الحكم، إلى كل واقعة وجدت فيها تلك العلة.

أما في حالة وجود النص: فيقوم الاجتهاد - وهو الاجتهاد البياني - على تفهُّم معنى النص، والكشف عن مرامي ألفاظه، ومدلولاتها؛ فهو اجتهاد ضمن دائرة النص الموجود في حدود الأصول اللغوية والشرعية (١).

ولقد مرّ بنا أن بيان التفسير هو بيان ما فيه خفاء؛ وأن التفسير الذي نعنيه: هو اجتهاد يؤدي وظيفة هذا البيان.

أ - فاللفظ من حيث هو: قد يكون واضحًا، وقد يكون مبهمًا، وفي حالة وضوحه لا يخلو بعض أنواعه من الاحتمال الذي يجعله محتاجًا إلى تحديد المراد؛ فعلى المفسِّر أن يعلم أن اللفظ باق على احتماله؛ فهو من الظاهر، أو أنه قام الدليل الذي رجح غير المعنى الظاهر من ذلك اللفظ، فأصبح مؤولًا.


(١) وهكذا ترى أن دائرة الاجتهاد أوسع من دائرة القياس، وإن كان يطلق أحيانًا ويراد به القياس، وعلى كل فإن الاجتهاد يفترق عن القياس بما يلي:
١ - يلاحظ الباحث بسهولة أن الاجتهاد أعم من القياس، فالاجتهاد حسب الذي أسلفنا: كما يشمل بذل الجهد فيما لا نص فيه للوصول إلى الحكم عن طريق القياس، أو الاستحسان، أو المصلحة المرسلة، أو الاستصحاب، أو أي طريق من طرق الاستنباط التي نصبت أمارة للدلالة على الحكم، فإنه يشمل بذل الجهد في حالة وجود النص للوصول إلى الحكم الشرعي، الذي دلّ عليه ذلك النص.
أما القياس: فهو استفراغ الوسع فيما لا نص فيه، لإلحاقه بما فيه نص، والتسويةِ بينهما في الحكم؛ إذا ثبت اشتراك الواقعتين في العلة، فالاجتهاد أعم من القياس، وهكذا كان كل قياس اجتهادًا، ولا عكس.
٢ - مجال الاجتهاد ما يعرض للمكلف من وقائع؛ سواء أكانت في حدود المنصوص أم في حدود غير المنصوص، ولا كذلك القياس فإن مجاله الوقائع التي لم ترد فيها النصوص.
٣ - كان طبيعيًا والاجتهاد أعم من القياس أن تتعدد طرقه، بحيث تشمل - في حالة وجود النص -: بذل الجد لفهمه وبيانه والتوفيق بين ما ظاهره التعارض من النصوص والترجيح بينها، وبذل الجهد فيما لا نص فيه بالقياس وغيره، بينما لا يرى للقياس إلا طريقة واحدة هي البحث عن العلة للتسوية في الحكم بين الواقعتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>