للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا العمل من المستنبط، هو اجتهاد عن طريقه يدرك المعنى المراد (١).

وفي حالة إبهام اللفظ: تتعدد الألوان والمراتب؛ فمن المبهم ما يزول غموضه بعمل المجتهد وهو مجال التفسير، ومنه ما لا يزول غموضه، إلا ببيان من الشارع نفسه وهو المجمل.

والذي يعنينا الآن ما يمكن زواله بالاجتهاد (٢). وإن كان لا بد للمفسر من معرفة ما إذا كان قد ورد بيان من الشارع لهذا المجمل أو لم يرد؛ لأن على هذه المعرفة تتوقف أحيانًا كثير من الأمور، إذ إن بيان الشارع يقطع الاحتمال.

وهكذا فالخفي، وهو أقل أنواع المبهم غموضًا، لا يكلف المجتهد كبير عناء في إزالة خفائه؛ فإن مما يوضح السبل أمامه عند إرادة تطبيق الحكم على واقعة جديدة، الرجوعَ إلى مجموع النصوص في الموضوع، مع مراعاة مقاصد الشريعة، وحكمة التشريع.

والحاجة إلى الاجتهاد قائمة في إزالة غموض المشكل، الذي هو أكثر خفاء من سابقه، بسبب أن الغموض لم يكن لعارض، وإنما كان من ذات اللفظ نفسه، فمثلًا: المشترك، وهو أحد أنواعه كما أسلفنا، لا بد لإزالة الغموض فيه وتحديد أحد المعنيين أو المعاني التي وضع لها اللفظ: من


(١) راجع: "مصادر الشريعة فيما لا نص فيه" لعبد الوهاب خلاف (ص ٨٩) فما بعدها، "مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط" (ص ١٦٤) للمؤلف، "أصول الفقه" للشيخ زكريا البرديسي (٤٦٥) فما بعدها، "المدخل للفقه الإسلامي" للدكتور محمد سلام مدكور (ص ٢٨٠).
(٢) الحنفية - كما مر - هم القائلون بأن بيان المجمل لا يكون إلا ببيان من المجمل نفسه، ولكن الشافعية ومَن معهم من العلماء يرون أن من أفراد المجمل ما يمكن زوال الغموض فيه عن طريق الاجتهاد. ومرد ذلك إلى الاختلاف في تحديد معنى (المجمل) إذ إن المجمل عند الشافعية ومَن معهم يشمل المجمل والمشكل والخفي عند الحنفية. وسيأتي تفصيل ذلك في مباحث "الواضح والمبهم من الألفاظ"، عند الحنفية والمتكلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>