للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يختلف العلماء - أخذًا من هذين النصين - أن المحرم هو الدم المسفوح لا سواء.

وبيان ذلك أن الحكم في النصين واحد، وهو تحريم تناول الدم، والسبب واحد؛ وهو ها يصيب العرب من الأذى في هذا التناول، وجاء لفظ "الدم" مطلقًا في أحد النصين ومقيدًا بكونه مسفوحًا في الآخر.

فحمل الأئمة المطلق على المقيد، فكانت دلالة النصين مجتمعين: أن المحرَّم ليس هو الدم مطلقًا، وإنما هو الدم المسفوح، أما ما يبقي في اللحم والعروق: فإنه حلال يجوز تناوله (١).

جاء عن قتادة قوله: "حُرِّم الدم ما كان مسفوحًا، وأما لحم خالطه دم فلا بأس به"، وذلك ما قرر الطبري أن في اشتراط أن يكون الدم مسفوحًا: الدليل الواضح على أن ما لم يكن منه مسفوحًا: فحلال غير نجس (٢).

ومثله قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٦] (٣) وقول الرسول في بيانه للتيمم فيما رواه ابن عمر وجابر: "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" (٤).

فالأيدي وردت في الآية مطلقة عن القيد، وهي في الحديث مقيدة بالمرفقين، والحكم في النصين واحد: هو وجوب المسح، والسبب واحد: وهو الحدث وإرادة الصلاة، فجعل المقيد بيانًا للمطلق وحمل المطلق عليه،


(١) انظر: "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" (١٢/ ١٩٣).
(٢) المصدر السابق: (١٢/ ١٩٣).
(٣) وفي سورة النساء، الآية: ٤٣ دون ﴿مِنْهُ﴾.
(٤) حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني (٦٨٥) والحاكم (١/ ٢٧٩) والبيهقي، أما حديث جابر: فأخرجه الدارقطني (٦٩١) والحاكم (١/ ١٨٠) وانظر: "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (١/ ٢٨٦) "نصب الراية" للزيلعي (١/ ١٥٠ - ١٥١)، "سبل السلام" للصنعاني (١/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>