للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرتب العقوبة على تلك الجناية التي حذرهم منها، وهي المخالفة عن أمره (١).

وهكذا نجد في الآية تهديدًا يعطي أن ظاهر الأمر الوجوب، إذ إن الذي استحق العقاب إنما استحقه على ترك المأمور به.

ولا أدل على معنى الوجوب في الأمر: من أن يستحق المكلف العقاب على ترك موجَب الأمر ومقتضاه، ولولا ذلك لكان التحذير من المخالفة لا معنى له، وعُدَّ من العبث. قال السعد التفتازاني: (والأقرب أن يقال: المفهوم من الآية التهديد على مخالفة الأمر وإلحاق الوعيد بها، فيجب أن تكون مخالفة الأمر حرامًا وتركًا للواجب ليلحق بها الوعيد والتهديد) (٢).

هذا وقد جاء الإمام الشافعي بهذه الآية في "الرسالة" ضمن مجموعة من النصوص القرآنية الأخرى في (باب ما أمر الله من طاعة رسول الله) وقال في آخر كلامه حول تلك النصوص: (فأحكم فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله وإعلامهم أنها طاعته. . . فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرضَ عليهم اتباعُ أمره وأمرِ رسوله، وأن طاعةَ رسوله طاعتهُ، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جلَّ ثناؤه) (٣). وهذا واضح في ذهاب الشافعي إلى أن الأمر للوجوب بدليل من الآية السابقة وغيرها. وقد قرر ذلك الغزالي وصوّبه


(١) والمقصود بالمخالفة عن الأمر في الآية: جرى فيه الخلاف: فجنح الأخفش وابن قتيبة إلى اعتبار "عن" صلة فكأنه قال: "يخالفون أمره"، وذهب الزمخشري إلى أن المخالفة عن الأمر هي: الصد عنه، قال في "الكشاف": (الذين يخالفون عن أمره: الذين يصدون عن أمره، بحذف المفعول) ويرى البعض تضمين المخالفة معنى الإعراض، فيصبح المعنى: "يعرضون عن أمره ويميلون عن سننه".
ولا تخفى وجاهة القول الذي ذهب إليه الأخفش وذكره ابن قتيبة. انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (ص ١٩٥)، "الكشاف" (٣/ ٢٠٥)، "التفسير الكبير" للرازي: (٢٤/ ٤٠).
(٢) انظر: "التوضيح" مع "التلويح" (٦/ ١٥٤).
(٣) راجع: "الرسالة" للإمام الشافعي (ف ٢٨٠، ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>