للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرهم ما رأيناهم صنّفوا فيه) (١).

وقد بيّن الرازي أن نسبة الشافعي إلى علم أصول الفقه كنسبة أرسططاليس إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض، وبعد أن قرر ذلك قال: (فكذلك هنا الناس كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلمون في مسائل "أصول الفقه" ويستدلون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كلي يرجع إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معارضتها، وترجيحاتها فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه ووضع للخلق قانونًا كليًا يرجع إليه في مراتب أدلة الشرع) (٢).

أما ما يروى من أن قواعد وضعت قبل الشافعي؛ فالمقصود بذلك في رأينا تلك النثارات المضيئة التي ألمحنا إليها (٣) من قبل؛ بدليل أن الحنفية مثلًا يظهر في مصنفاتهم ما يدل بوضوح - كما سيأتي - على أن القواعد الأصولية عندهم تهدي إليها فروع الأصحاب السابقين وأن قواعدهم ضوابط لتلك الفروع. فترى مثلًا أبا بكر الجصاص (٤) عندما يريد أن يستدل على عدم صلاحية الأخذ بمفهوم المخالفة، يأتي بفرع فقهي مروي عن محمد بن


(١) "التمهيد لتأريخ الفلسفة الإسلامية" لمصطفى عبد الرازق (ص ٢٣٤) نقلًا عن نسخة خطية في المكتبة الأهلية بباريس.
(٢) "مناقب الإمام الشافعي" للرازي (ص ٩٨ - ١٠٢). وانظر: "التمهيد لتأريخ الفلسفة الإسلامية" لمصطفى عبد الرزاق (ص ٢٣٤) فما بعدها. وانظر له أيضًا: المقال السابع في العدد ٢٩ من مجلة الرسالة سنة ١ مجلد ٢. وانظر في مناقشة القائلين بسبق بعض أئمة الجعفرية في هذا: "أصول الفقه الجعفري" (ص ٦ - ٩)، "الإمام الصادق" (ص ٢٦٨ - ٢٧٠) لأستاذنا أبي زهرة.
(٣) انظر ما سبق (ص ٨١).
(٤) هو أبو بكر أحمد بن علي المكنى بالرازي نسبة إلى الري، والملقب بالجصاص نسبة إلى العمل بالجص، من كبار متقدمي الحنفية في التفسير لآيات الأحكام، والفقه والأصول. وممن تفقه عليه: الجرجاني شيخ القدوري، وأبو الحسن الزعفراني، من مصنفاته: "أحكام القرآن"، "أصول الفقه"، "شرح مختصر الكرخي"، "شرح مختصر الطحاوي"، "شرح الجامع الصغير وشرح الجامع الكبير" لمحمد بن الحسن في الفقه. توفي سنة ٣٧٠ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>