للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أية حال: فقد صرف الأمر عن الوجوب إلى الندب عند الجمهور؛ لما في هذا الأمر من الإحسان إلى المحيل بتحصيل مقصوده والتخفيف عنه، وذلك بتحويل الحق عنه وترك تكليفه التحصيل بالطلب والإحسانُ مستحب (١).

٢ - وحمله أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير الطبري وأهل الظاهر على ظاهره من الوجوب، ولم يروا ما يدعو إلى صرفه عنه، فإذا أحيل الدائن على مليء فواجب أن يحول ماله عليه (٢) ونقل الخطابي عن داود الظاهري أنه يُكره على ذلك إن أباه (٣).

وهكذا كان لاختلاف العلماء في مدلول الأمر في هذا النص من نصوص السنة: أثره في الحكم المترتب عليه.

٢ - ومنه ما جاء في حكم الإسراع بالجنازة: فقد جاء عن رسول الله فيما رواه أبو هريرة : "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة: فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك: فشر تضعونه عن رقابكم" (٤).

فقد جرى اختلاف العلماء في مدلول الأمر من قوله : "أسرعوا".

أ - فالجمهور على أن هذا الأمر للاستحباب، قال ابن قدامة المقدسي:


(١) انظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (٢/ ١٥٧)، "فتح القدير" للكمال بن الهمام (٥/ ٤٤٤) "شرح الزرقاني لموطأ الإمام مالك" (٣/ ٣٢٥) فما بعدها.
(٢) راجع: "فتح الباري" (٤/ ٣٨٢)، "المغني" لابن قدامة (٤/ ٥٢٧)، قال الخرقي: ومن أحيل بحقه على مليء فواجب عليه أن يحتال.
(٣) راجع: "معالم السنن" (٣/ ٦٦)، وانظر تفصيلًا أوفى عند ابن حزم في "المحلى" (٨/ ١٠٨) فما بعدها. هذا وقد نقل ابن العربي إجماع أهل القرون الثلاثة السابقة على خلاف القول بالوجوب. وانظر "طرح التثريب" للزين العراقي (٦/ ١٦٥).
(٤) أخرجه أحمد (٧٢٦٥) وأصحاب الكتب الستة: البخاري (١٣١٥)، مسلم (٩٤٤)، أبو داود (٣١٨١)، الترمذي (١٠١٥)، ابن ماجه (١٤٧٧)، النسائي (١٩١٠). وانظر: ابن دقيق العيد مع التعليق (٢/ ٤٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>