للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا: وإن المتتبع لآثار العلماء في هذا الباب، يرى أنه كان لهم بعد الشافعي طريقتان أساسيتان مختلفتان:

إحداهما: طريقة نظرية، تقوم على تحقيق القواعد تحقيقًا منطقيًا، وإقرار ما يؤيده البرهان النقلي والعقلي منها، دون تأثر بفروع مذهب من المذاهب أو التقيد برأي إمام معين. فالمقصود في هذا الاتجاه: تحرير القاعدة وتنقيحها، من غير تطبيقها على أي مذهب تأييدًا أو نقضًا.

ومن هنا رأينا أن الكاتبين من الشافعية مثلًا، كثيرًا ما يختلفون في تحديد قاعدة من القواعد، بل كثيرًا ما نرى الخلاف بين واحد منهم أو أكثر وبين الإمام الشافعي واضع الرسالة نفسه، فمثلًا: نرى الإمام الشافعي يعتبر مفهوم الموافقة قياسًا جليًا، بينما نرى أكثر العلماء من الشافعية يفرقون بين القياس من حيث هو، وبين مفهوم الموافقة، ولسوف نرى في المباحث القادمة العديد من هذه النماذج.

وواضح أن هذا التجرد عن الالتزام برأي الإمام نفسه، إنما كان ثمرة من ثمرات اتجاه يقوم على تحديد قانون للاستنباط، مقوماتُه الدليل القائم على صحته، لا رأي هذا الإمام أو ذاك (١).

وقد ظهر هذا الاتجاه عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة، والشيعة الإمامية، والزيدية، والإباضية. ولقد كان فريق كبير من هؤلاء يكتبون وفق أسلوب علماء الكلام، فسميت الطريقة طريقة المتكلمين.

الثانية: طريقة تقوم على محاولة ضبط فروع أئمة الحنفية، بقواعد جديدة تعتبر هي الأصول، ثم رد تلك الفروع إليها، فترى الباحثين قد جعلوا فروع


= في "البحر المحيط": (الشافعي أول مَن صنّف في أصول الفقه، صنّف فيه كتاب "الرسالة" و "كتاب أحكام القرآن" و "اختلاف الحديث" و "إبطال الاستحسان" و "كتاب القياس" ثم تبعه المصنفون في علم الأصول، قال أحمد بن حنبل: لم نكن تعرف العموم والخصوص حتى ورد الشافعي). وانظر: مقدمة "الحاصل" للأرموي، مختصر "المحصول" للرازي. مخطوطة دار الكتب المصرية.
(١) راجع: "مقدمة ابن خلدون" (٣/ ١٠٣١) تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>