للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن وجود نصوص تعطي الإباحة، ونصوصٍ تعطي الوجوب، ليس مقتضاه تجميدَ هذه النصوص بنوعيها في انتظار بيان جديد.

ولكن الذي يفرضه واقع دلالة الأمر بعد الحظر في هذه النصوص - وهو ما نختاره رأيًا في الموضوع - أن الأمر في هذه الحال يدل على رفع الحظر والتحريم، ورجوع المأمور به إلى الحكم الذي كان له قبل ورود الحظر، من إباحة، أو وجوب، أو غيرهما.

وذلك ما اختاره ابن الهمام وصرح به في "التحرير" (١) ذلك لأن الاستقراء للأوامر الواردة بعد الحظر والتحريم، يدل على أن حكم المأمور به هو الحكم الذي كان ثابتًا له قبل ورود الحظر والتحريم، والمتتبع لكتب الأحكام يجد الكثير من الأمثلة على ما نقول.

ففيما ذكرناه آنفًا نجد مجموعة من الأحكام، منها الصباح، ومنها الواجب وهي أحكام دل عليها الأمر بعد الحظر، وكانت ثابتة للمأمور به قبل أن يرد الحظر.

١ - من ذلك: الاصطياد فإنه كان صباحًا ثم منع الشارع منه في حالة الإحرام بحيث لا يحل للحاج وهو محرم أن يصطاد، ثم جاء الأمر بالاصطياد بعد التحلل من الإحرام والانتهاء منه بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] وقد أسلفنا من قبل اتفاق العلماء على أن الأمر في الآية للإباحة، وهو الحكم نفسه الذي كان ثابتًا للاصطياد قبل أن يرد عليه الحظر والتحريم.

وقد جاء حكم الإباحة للاصطياد في مجموعة من الأحكام الأخرى على لسان عدد من التابعين منهم: عطاء ومجاهد، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: (خمس آيات من كتاب الله رخصة وليست بعزيمة ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا﴾ [الحج: ٢٨] فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل، ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾


(١) راجع: "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>