للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العناية بسند الحديث دون نظر إلى فقهه (١) وتبيين معانيه ومدلولات ألفاظه، وما ترمي إليه على أسس العربية ومفاهيم الشريعة.

وقديمًا شكا أبو سليمان الخطابي - من رجال المائة الرابعة - في مقدمة شرحه لأحاديث الأحكام في "سنن أبي داود" من انقسام أهل العلم في عصره إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر ولّى أكثرهم ظهره للفقه والفهم، وأصحاب فقه ونظر لا يعرّج أكثرهم من الحديث إلا على أقلّه، وأبان أن منهجه يقوم على الأمرين الذين لا بد منهما: عناية بسند الحديث في رجاله ورواته، وعناية بمتن الحديث من حيث فقهُه واستنباط الأحكام منه (٢).

وكل هذا الذي نقوله ينطبق على ما بين أيدينا من نصوص، كان في فهمها وانطباق القواعد الأصولية عليها في استنباط الأحكام أخذ ورد عند العلماء، ولكن وراء ذلك أنه قد تكون مسألة خلافية، مرد الاختلاف فيها أن نصًا من النصوص قد لا يكون وصل إلى بعض رجال المذاهب كالذي رأينا مثلًا في احتمال الخاص البيان وعدم احتماله بالنسبة لحديث الأعرابي المسيء صلاته حيث رأينا أن من الممكن أن لا يكون الإمام أبو حنيفة قد وصله هذا الحديث ولو وصله فكان له حكم آخر في أمر الطمأنينة في الركوع والسجود، ولما رأينا اختلافًا في هذه القضية.

ثالثًا: إن الطريقة التي تقوم على تقرير قواعد الأصول، ثم تخريج الفروع عليها، وبيان مدى ارتباط الفرع بالأصل، هي الطريقة التي نرى وجوب إحلالها مكانها اللائق في ميدان التعليم والاختصاص؛ لأن ذلك كفيلٌ بتربية المملكة الفقهية الواعية القادرة على الإفادة من مسالك الأئمة ومواجهة النصوص بفهم وإدراك، قمينٌ بإخراج قواعد التفسير عن عزلتها


(١) وانظر: "معرفة علوم الحديث" (ص ٦٣) للحاكم أبي عبد الله النيسابوري.
(٢) قال : (ورجوت أن يكون الفقيه إذا ما نظر إلى ما أثبته في هذا الكتاب - يعني "معالم السنن" - من معاني الحديث، ونهجته من طرق الفقه المتشعبة عنه دعاه ذلك إلى طلب الحديث وتتبع علمه، وإذا تأمله صاحب الحديث رغبه في الفقه وتعلمه) "معالم السنن" (١/ ٣ - ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>