وإعادتها إلى الميدان الذي كان غايةَ الأولين من وضعها، وهو الميدان العملي في الاستنباط، وبناء الفروع على الأصول.
كما أن سلوك هذه السبيل - كما أسلفنا من قبل - يفسح المجال أمام العقلى المستنير لإدراك حقيقة الاختلاف بين العلماء والأساس الذي يقوم عليه (١).
رابعًا: لا بد من عناية خاصة بمباحث التأويل؛ لأن ذلك - إلى جانب ما فيه من تعرّف على الأثر الذي تركه التأويل في أحكام الشريعة وفروعها - فيه تحديد معالم الطريق في فهم النصوص، والتزام الجادة عند معالجتها، الأمر الذي يكشف تأويل المنحرفين في عقائدهم أو عقولهم، ويساعد في مجال الفقه على تبيّن الطريق المذهبية في تأويل النصوص وإلى أي مدى كانت ملتزمة بين المذهب وأصل الطريق، لأنه - كما سلف - ليس من الجائز أن تكون سبيلنا في التأويل شدّ النصوص إلى حكم معيّن قرره مذهب من المذاهب، وإنما الواجب أن تكون وراء النص ومدلوله، ولا يضرنا فيما بعد أن يلتقي المدلول مع هذا المذهب أو ذاك أو يخرج عليهما بعد أن سلكنا سبيل الجادة في الفهم والاستنباط، ومراعاة مقاصد الشريعة ركن ركين في سلامة هذا الاتجاه.
خامسًا: ليس من اليسير الحكم بأن مظاهر الاختلاف بين المذاهب، كثيرًا ما تكون اختلافًا في الاصطلاح، ويكون المال فيما بعد إلى حكم واحد عند التفريع؛ فقوم مثلًا يأخذون بالمفهوم المخالف، ويردون الحكم إلى هذا المفهوم، وآخرون لا يأخذون به، وتبحث لتجد الفريقين متفقين على الحكم نفسه؛ فهؤلاء عن طريق المفهوم، وأولئك عن طريق غيره.
وأمثال هذا كثير تجده في مثل قطعية العام وظنيته، وتخصيص العام، وحمل المطلق على المقيد، وغير ذلك مما يقع عليه الباحث فيما عرضنا
(١) انظر مقدمة المؤلف في تحقيقه لكتاب: "تخريج الفروع على الأصول" للإمام الزنجاني (ص ١٢ - ١٤).