للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يلفت الانتباه أن بعض المعتزلة يعيب على الصحابة الاجتهاد اجتهاد الرأي هذا الذي جعل منه المعتزلة عنواناً لهم، والذي قدموه على القرآن نفسه كما أسلفنا، حين يطبقه الصحابة يصبح عند المعتزلة من العيوب التي لا تغتفر والتي يؤخذ بها وعليها أصحابها. فهذا النظام يقول: (إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهم، وإما أنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء في المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأي (١) وبذلك نسبهم كما يقول البغدادي (إلى إيثار الهوى على الدين (٢)). بل فإن النظام ضرب المثل السيئ في الوقيعة الفاحشة في الصحابة أجمعين (٣) ولم يتورع عن إيجاب الخلود في النار على أعلام الصحابة. وحين يفاضل العلماء بين الخلفاء الراشدين حسب إجماع الأمة على مبايعتهم على الخلافة أولاً بأول، نجد أبا علي الجبائي لا يبت في أيهم أفضل (٤)؟ إمعاناً في مخالفة إجماع الأمة. ولإثارة الشبه وتعميق الحزازات يميعون القول في حقيقة مقتل عثمان، فهذا أبو الهذيل يقول: (لا ندري قتل عثمان ظالماً أو مظلوماً؟) (٥)، وقبله يعلن واصل بن عطاء أنه لا يعرف، هل كان عثمان هو المخطئ أم قاتلوه وخذلوه؟ (٦).حتى إذا ما وصل الأمر إلى النظر في أصحاب الجمل وصفين نجدهم ينسبون الصحابة إلى الفسق جلت أقدارهم وعلت عن ذلك علواً كبيراً، فهذا واصل بن عطاء يجعل أحد الفريقين المتخاصمين في الجمل وفي صفين مخطئا لا يعينه تماما كالمتلاعنين فإن أحدهما فاسق لا محالة. . (وأقل درجات الفريقين أنه لا تقبل شهادتهما كما لا تقبل شهادة المتلاعنين) (٧).وبناءً على هذا فإنه لم يحكم بشهادة رجلين أحدهما من أصحاب علي والآخر من أصحاب الجمل، فهو يقول: (لو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم (٨). وقبل شهادة رجلين من أصحاب علي وشهادة رجلين من أصحاب طلحة والزبير (٩) إذ قد يكون أحد الفريقين عدلا وعلى صواب، وهو رأي تبناه بعد ذلك ضرار بن عمرو وأبو الهذيل ومعمر ابن عياد السلمي حيث قالوا جميعا: (نحن نتولى كل واحد من الفريقين على انفراد (١٠)).


(١) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٨).
(٢) ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٨).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (٣١٩).
(٤) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ١٤٧).
(٥) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١٤٣).
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٧).
(٧) ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٤٩).
(٨) ((ميزان الاعتدال)) (٤/ ٣٢٩) - ((الفرق بين الفرق)) (١٢٠) - ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٤٩).
(٩) ((الفرق بين الفرق)) (١٢٠، ٣٢٠).
(١٠) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>