للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} يعني: في طاعته، {صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} فأخبر الله تعالى بأحب الأعمال إليه بعد الإيمان فكرهوا القتال فوعظهم الله وأدبهم فقال: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} نزلت هذِه الآية في الأنصار عبد الله بن رواحة وغيره، تمنوا الجهاد فلما نزل فرضه كرهوه قاله ابن عباس ومجاهد (١)، وحكى ابن التين: أنها نزلت في المنافقين، والتقدير على هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} حكم لهم بحكم الأيمان.

ومعنى: {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} أي: ثبتوا كثبات ما رُصَّ من البناء.

وفيه: أن الله تعالى يعطي الثواب الجزيل على العمل اليسير؛ تفضلًا منه على عباده فاستحق بهذا نعيم الأبد في الجنة بإسلامه وإن كان عمله قليلاً، لأنه اعتقد أنه لو عاش لكان مؤمنًا طول حياته فنفعته نيته وإن كان قد تقدمها قليل من العمل، وكذلك الكافر إذا مات ساعة كفره يجب عليه التخليد في النار؛ لأنه انْضَافَ إلى كفره اعتقادُه أنه يكون كافرًا طول حياته؛ لأن الأعمال بالنيات، قاله المهلب (٢).

وقال ابن التين: أما عمله فقليل وأما ما بذله فكثير.

قَالَ ابن المنيِّر: والمطابقة بين الترجمة وبين ما تلاه أن الله عاتب من قَالَ: إنه يفعل الخير ولم يفعله، ثم أعقب ذَلِكَ بقوله: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} وهو ثناء على من وفى وثبت ثم قاتل وفي الآية بالمفهوم الثناء على من قَالَ وفعل. فقوله المتقدم وتأهبه للجهاد عمل صالح قدمه على الجهاد (٣).


(١) رواه الطبري ١٢/ ٧٩ - ٨٠ (٣٤٠٤٢، ٣٤٠٤٥).
(٢) نقله عنه ابن بطال ٥/ ٢٤.
(٣) "المتواري" ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>