ذَكَرَ فيهِ حَدِيث ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَخَذَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمَنْكِبِي وَقَالَ:"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ". وَكَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
قال أبو الزناد: معنى هذا الحديث: الحض على قلة المخالطة، وقلة الاقتناء والزهد في الدنيا، قال ابن بطال: وبيان ذلك: أن الغريب قليل الانبساط إلى الناس، بل هو مستوحش منهم، إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه فيأنس به، ويستكثر بخلطته، فهو ذليل في نفسه خائف، وكذلك عابر السبيل لا يبعد في سفره إلا بقوته عليه، وخفيف من الأثقال غير متسبب بما يمنعه من قطع سفره، معه زاد وراحلة يبلغانه إلى بغيته من قصده، وهذا دال على إيثار الزهد في الدنيا، وأخذ البلغة فيها والكفاف، فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره، وكذلك يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل.
وقوله:"إذا أمسيت .. " إلى آخره، خص منه إلى أن يجعل الموت نصب عينيه، فيستعد له بالعمل الصالح، وحضٌّ له على تقصير